بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 7 فبراير 2011

تصور إسلامي للتعايش السلمي


تصور إسلامي للتعايش السلمي


لا إكراه
التعايش السلمي مع الأديان غير الإسلامية مبدأ إسلامي أصيل دلت عليه النصوص، وطبقه المسلمون طوال تاريخهم. فهو إذن ليس أمرا يفرضه المسلمون على دينهم أو يلجؤون إليه لأسباب خارجية قاهرة.
إنه مبدأ قائم على الحقائق والمبادئ الإسلامية التالية:
·        إن الإسلام هو رسالة الله الخاتمة إلى عباده التي بلغها خاتم أنبيائه الذي جعله ربه رحمة للعالمين. إنه لا يعقل أن يأمر دين هذه طبيعته أن يشن المؤمنون به حربا على بقية العالم لإكراه الناس على الدخول فيه.
·        لقد أخبر الله تعالى رسوله بأنه ما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين، فكيف يأمره في الوقت نفسه بأن يكرههم على الدخول فيه؟ هل يأمره بأن يخلي الأرض من كل أحد غير مسلم؟
·        ليس هذا فحسب بل إن الرسول يخبرنا أنه لن تخلو الأرض من أناس غير مسلمين، بل إن غير المسلمين هؤلاء سيكونون هم سكان العالم الذين يشهدون نهايته وقيام الساعة بعد أن يموت كل المسلمين.
·        يخبرنا الله سبحانه بأنه لا أحد غيره يملك السيطرة على قلوب الناس وعقولهم. فالأنبياء لا يستطيعون هداية الناس بمعنى إدخال الهدى في قلوبهم. إن الله تعالى هو وحده الذي يهدي بهذا المعنى. إن الرسل والدعاة من بعدهم إنما يهدون الناس هداية بيان وبلاغ، ثم يتركون لهم الخيار.
فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ. لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ (88: 21 -  22)
أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ( يونس: 99)
إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56) 
·        وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يستطيع إدخال الهدى في قلوب الناس فإن الشيطان أيضا لا يستطيع إدخال الضلال فيها. إن مقدرته محصورة في الدعوة إلى الضلال وتزيينه. لكن الله تعالى تكفل لنا بأن هذا العمل الشيطاني لا يكون له تأثير إلا على الذين يستجيبون للشيطان بإرادتهم، ووعد سبحانه بأن يهدي إلى الحق كل من علم في قلبه إرادة له.
إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ ( الحجر:42 )
وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُْبِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( إبراهيم:22)
·        ولأن الدين هكذا في أصله مسألة قلبية، فهو بالضرورة أمر إرادي، إنه أمر يعترف به الإنسان ويطبقه بإرادته. فلا أحد إذن يمكن أن يجبره عليه.
وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُر (18 : 29 )
·        وعليه فإن الآية القرآنية الكريمة الشهيرة     
لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغي (2: 256)
 ليست كما قد يظن البعض خطأ آية منعزلة أو الآية الوحيدة التي تقرر هذه الحقيقة. بل إنها متسقة مع غيرها من الآيات التي ذكرنا بعضها في أنه لا يمكن إكراه أحد على الدين. لكن في الآية أمرا زائدا وهي أنها تأمر المؤمنين بأن لا يحاولوا هذا الأمر المستحيل.
 لكن الأمر بعدم الإكراه ليس مبنيا في الإسلام على أنه من حق كل إنسان أو من مصلحته أن يختار ما شاء من عقائد كما تقول اللبرالية، لأنه من المؤكد أن بعض المعتقدات مبنية على أباطيل فلا يمكن لذلك أن تكون في مصلحة معتقدها أو مصلحة المجتمع الذي تشيع فيه. فالإسلام لا يأمر بعدم إكراه الناس على الدخول فيه لأنه يقر معتقداتهم المخالفة له؛ إنه لا يقرها.
 لكن الإسلام يفرق في المعاملة بين المعتقدات والمعتقدين. فبينما يدعو إلى دعوة المعتقدين بالتي هي أحسن، بل وإلى برمن لم يعتد منهم، فإنه لا يتردد في نقد معتقداتهم نقدا صارما وإقامة الحجج على بطلانها.  أنظر مثلا كيف يدعو إلى معاملة النصارى بالتي هي أحسن، ويحكم بحل طعامهم ونسائهم، بينما يؤكد أنه لا عيسى بن مريم ولا غيره يمكن أن يكون ولدا لله تعالى لأنهم مخلوقون والمخلوق لا يكون ولدا لخالقه؛ إن الأب يلد ابنه ولا يخلقه.
إن الهدف من معاملة غير المسلمين معاملة حسنة وعدم إكراههم على الدخول في الإسلام إنما هو لأن هذه هي أفضل وسيلة لبيان الحق لهم وتسهيل رؤيتهم وقبولهم له. ولهذا فإن التأكيد في الإسلام إنما هو دائما على الدعوة وبيان أهميتها، وبيان أحسن طرقها، وبيان أنها هي الوظيفة الأساس لرسل الله ولكل الدعاة من بعدهم، وهكذا.
ولذلك فإن الله تعالى يذكر رسوله دائما بأن مهمته إنما هي البلاغ، وأنه إنما هو مذكر، وأنه لا يستطيع هداية من يحب هدايته، وأنه لا يستطيع إكراه الناس على قبول الحق، وأنه يجب أن يدعو الناس بالحكمة والموعظة الحسنة. والمسلمون مأمورون بأن لا يجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم.
فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ (42 :  48)
 ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (16 : 125)
 تاريخ من التسامح
 لم يكن ذلك الهدي عبرت عنه آيات القرآن الكريم في معاملة الأديان الأخرى وأهلها من قبيل المثاليات المعلقة في الهواء، وإنما كانت توجيهات عملية ترجمها المسلمون إلى واقع أرضي في تاريخهم الطويل. وكان واقعا اعترف به وأعجب به الكثيرون من غير المسلمين وما زالوا يعترفون به ويعجبون. وهذه بعض شهاداتهم الحديثة.
عندما ألقى البابا الحالي محاضرته المشهورة في إحدى الجامعات الألمانية واستدل فيها بكلام للامبراطور مانيويل الثاني اتهم فيها الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه أمر المسلمين بأن ينشروا دينهم بالسيف، كان من أحسن الردود عليه ما كتبه كتاب غير مسلمين.
كان من هؤلاء يوري أفنيرى الذي وصف نفسه بأنه يهودي ملحد. قال يوري[1]:
قال المسيح: "ستعرفونهم بثمراتهم". إن معاملة الإسلام للأديان الأخرى يجب أن يحكم عليها بمعيار بسيط: كيف تصرف الحكام المسلمون لمدة ألف عام عندما كانوا قادرين على "نشر الإسلام بالسيف"
إنهم لم يفعلوا أبدا.
ثم يقول للبابا إن المسلمين حكموا اليونان لمدة قرون، لكنهم لم يكرهوا يونانيا واحدا أبدا على الدخول في الإسلام. وبالطريقة نفسها كانت معاملتهم للبلغار والصرب والرومان والهنغار وشعوب أوربية أخرى. ويقول له إنه
عندما احتل الصليبيون القدس في عام 1099 وذبحوا من غير تمييز سكانها من المسلمين واليهود،  كان النصارى ما يزالون بعد أربعمئة عام من احتلال المسلمين لفلسطين هم الأغلبية في القطر لأنه لم يبذل أي جهد في هذه المدة الطويلة لفرض الإسلام عليهم. وليس هنالك من دليل على أنه كانت هنالك محاولة لفرض الإسلام على اليهود. وكما هو معروف فإن اليهود في اسبانيا استمتعوا بازدهار لم يستمتعوا به في أي مكان آخر حتى أيامنا هذه تقريبا. إن كل يهودي يعرف تاريخ قومه لا يملك إلا أن يشعر بالعرفان العميق للإسلام الذي حمى اليهود لمدة خمسين جيلا، بينما كان العالم المسيحي يضطهد اليهود وحاول مرات عديدة أن يجبرهم "بالسيف" على التخلي عن دينهم.
إن قصة " انتشار العقيدة بالسيف" أسطورة شريرة، إنها واحدة من الخرافات التي ترعرعت في أوربا إبان الحروب العظمى على المسلمين.
 ذلك ما قاله الكاتب اليهودي، وأما المؤرخة البريطانية كيرن آرمسترونج فتقول موافقة له على انتشار هذه الأسطورة في الغرب:
إنه وبطريقة منتظمة ومزعجة، فإن اعتقاد القرون الوسطى هذا يظهر كلما كانت هنالك مشكلة في الشرق الأوسط. ولكن حتى القرن العشرين كان الإسلام دينا أكثر تسامحا وسلاما من المسيحية. إن القرآن ينهى بشدة عن أي إكراه في الدين، ويعد كل الأديان التي على الهدى أديانا من عند الله. وبالرغم من الاعتقاد الغربي المخالف فإن المسلمين لم يفرضوا دينهم بالسيف. لكن خرافة أن الإسلام دين عنيف في أصله تستمر، وتظهر في اللحظات غير المناسبة أبدا. إنه من الأفكار الغربية المتوارثة التي يكاد يكون من المستحيل اقتلاعها.[2]
إن كون الإسلام انتشر بطرق سلمية أمر اعترف به وأكده منذ زمن طويل النصراني السير ثوماس آرنولد في كتابه الشهير: الدعوة إلى الإسلام. قال آرنولد:
لم نسمع شيئا عن أي محاولة منظمة لإكراه السكان غير المسلمين على قبول الإسلام، أو لأي اضطهاد الغرض منه القضاء على الدين المسيحي. لو أن الخلفاء اختاروا أن يتبنوا أيا من هذين الطريقين ربما كانوا قد قضوا على النصرانية بالسهولة نفسها التي طرد بها فرديناند وإزابلا المسلمن من اسبانيا، أو التي جعل بها لويس الرابع عشر البروتستانية جريمة في فرنسا، أو التي نفي بها اليهود عن أوربا لمدة 350 عاما. لقد قطعت الصلة بين الكنائس الشرقية وبين بقية العالم المسيحي لمدة لم يستطع أحد خلالها أن يرفع إصبعا للدفاع عنهم. إن بقاء هذه الكنائس إلى يومنا هذا لدليل قوي على التسامح الذي امتازت به على وجه العموم الحكومات المحمدية[3]
أقول ولهذا لم يكن هنالك من داع لقيام دولة علمانية في البلاد الإسلامية، لأن الدولة العلمانية إنما قامت في الغرب ــ كما يحدثنا المؤرخون الغربيون ــ بسبب الحروب الدينية الأوربية الشهيرة التي اندلعت لأن الحكام النصارى كانوا يحاولون إكراه كل من كان غير نصراني أو حتى غير منتم إلى فرقتهم على الدخول فيها. أما المسلمون فقد أعطوا المواطنين غير المسلمين الذين كانوا تحت سلطانهم كل الحقوق التي تعطيها لهم الحكومات العلمانية الحالية بل أكثر. نعم إنهم لم يعطوهم حقوقا وفرصا مساوية لتلك التي أعطيت للمسلمين. إن مثل هذه المساواة أمر لا يمكن أن يتحقق في اي دولة دينية كانت أم علمانية. إن الحكومات العلمانية إنما تعطي مواطنيها المتدينين فرصا لشغل المناصب السياسية بشرط ولائهم للدستور الذي يفصل بين الدولة والدين. بل إن بعض الكتاب المتدينين من الأمريكان يتذمرون من أن الحرية التي تعطيها الدولة العلمانية للدين إنما هي بحسب تعريفها هي للدين. ولو كانت حرية حقيقية لأعطي أصحاب كل دين من الحرية ما يتطلبه دينهم هم لا ما تمن به العلمانية بحسب مفهومها للدين.  
 لكن هذا الذي يشكون منه هو أمر لا يمكن أن تكون الدولة علمانية إلا به. إنه لا يتصور أن تعطي الدولة العلمانية أصحاب دين ما حرية ممارسة دينهم بطريقة تفضي إلى تعديه على حدود الدولة العلمانية.
كانت هنالك حروب إسلامية إذن؟
كانت لأسباب لم يكن منها أبدا إكراه أحد على اعتناق الإسلام كما بينا. كانت لأسباب أهمها   محاربة الظلم. إننا نعيش في عالم لا بد أن يحارب فيه بعض الظالمين ليعيش الآخرون في أمن وسلام.
والظلم الذي دعا الإسلام لمحاربته يأخذ أشكالا كثيرة منها:
اضطهاد الحكومات لمواطنيها الذين يعتنقون الإسلام.
أو إخراجهم من وطنهم.
أوشن الحروب على أهل البلاد التي تعتنق الإسلام.
أوشن الحروب عليهم سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين بغرض احتلال بلادهم ونهب ثرواتهم، أو استرقاقهم.  

الحاجة إلى التعايش السلمي في عصرنا
إننا نعيش في زمان وجد فيه الناس أنفسهم مضطرين لأن يعيشوا متجاورين في قرية عالمية واحدة تتداخل فيها مصالحهم رغم اختلافاتهم العرقية والدينية واللونية والثقافية. لكنها قرية مليئة بالاسلحة التي تسمى بالتقليدية والتي يمكن أن تلحق أضرارا بالغة بكل ما هو ضروري لحياة الناس، وبالأسلحة تسمى بأسلحة الدمار الشامل التي تملك الولايات المتحدة وحدها منها ما يمكن أن يمحو كل سكان الكرة الأرضية كما يقولون! إنه لمن الواضح إذن أنه لا خيار لسكان الكرة الأرضية   لتفادي تلك الكارثة إلا أن يقرروا أن يتعايشوا في سلام. لكن مجرد الرغبة في ذلك التعايش لا تكفي. إنه لا بد من التخاذ الخطوات اللازمة لجعل ذلك التعايش ممكنا. ولعل من أهم مقتضيات ذلك التعايش
1.      وجود مؤسسات عالمية تضمن السلام، وتلتزم بالقيم الخلقية لا يمكن لها أن تؤدي وظيفتها إلا بها.لا بد لهذه المؤسسات من أن تقوم على العدل.
2.     وعلى الدول الكبرى أن تدرك أن هذا العدل هو في النهاية خير لشعوبها مما قد يبدو لها من مصالح وطنية وقتية ضيقة. إن على الدولة التي تستخدم قوتها الاقتصادية أو العسكرية لإخضاع دولة ضعيفة بحجة أنها إنما تدافع بذلك عن مصلحتها الوطنية أن تدرك أنه خلقيا لا فرق بين منطقها هذا ومنطق إنسان ينهب ممتلكات آخر بحجة أنه يريد تحسين مستواه المعيشي.
3.     وعليه فإنه لا يمكن لمؤسسات عالمية مثل الأمم المتحدة أن تؤدي مهمتها إذا ما صارت أداة في يد دولة كبرى كالولايات المتحدة. ولكن هذا مع الأسف الشديد هو الحاصل الآن. وحصوله ليس ادعاء تدعيه الدول الضعيفة وإنما هو أمر تعترف به الدول الكبرى نفسها، بل تتباهي به:
إن التصور الغالب بين النخبة للأمم المتحدة ـ كما عبر عنه بوضوح في عام 1992 فرانسيس فوكوياما الذي عمل في وزارة الخارجية الريغانية البوشوية هو أن الأمم المتحدة مستخدمة كأداة فعالة لسياسة امريكا الانفرادية، والتي قد تكون في المستقبل هي الآلية الأساس لتلك السياسة.[4]
 لكن هذا معناه أنه عندما تهدد الولايات المتحدة أو تعاقب قطرا ما بحجة عدم تنفيذه لقرارات الأمم المتحدة إنما تهدده في الحقيقة لأنه لم ينفذ أوامرها هي.
4.     إن الالتزام بالمبادئ الخلقية السامية ولا سيما مبدأ العدالة هو في النهاية الضمان الوحيد لعدم انتشار أسلحة الدمار الشامل. إن الدول الأضعف لن تشعر بالحاجة إلى مثل هذه الأسلحة إذا ما تأكدت بأنه لن يكون في عدم امتلاكها لها خطر على وجودها أو على سيادتها. سيرون أنه من الأعقل لهم أن ينفقوا القليل الذي يمتلكونه على أشياء أكثر أهمية وإلحاحا. وأما إذا ما تأكدوا بأنهم سيهانون بسبب عدم امتلاكهم لها فإنهم قد لا يترددون في السعي للحصول على أي نوع وأي كم منها مهما كان الثمن وبغض النظر عن أية معاهدات يضطرون للتوقيع عليها.
5.     إن على أولئك الذين يتحركون بدافع السيطرة على الآخرين أن يتذكروا بأن هنالك دافعا أقوى، دافع العزة. إن في العالم أناسا كثيرين مستعدون لأن يبذلوا أرواحهم لحماية عزة شعوبهم والمحافظة عليها.
6.     إن على الذين يمتلكون الأسلحة أن يكفوا عن استعمالها بغير حق لا بدافع تلك المبادئ الخلقية التي ذكرناها فحسب، ولكن لأن ذلك في مصلحتهم. وذلك أن التطور الهائل في صناعة الأسلحة قد يؤدي قريبا إلى اختراع نوع منها صغير الحجم خفيف الوزن شديد الفاعلية يسهل على الأفراد والجماعات الصغيرة أن تحصل عليه.
7.     إن بعض الناس قد يرون أنه أن تفرض عليهم معتقدات وقيم مناوئة لمعتقداتهم وقيمهم أشد خطرا عليهم وأكثر إهانة لهم من حرمانهم بغير حق من بعض خيرات بلادهم. وعليه فإن الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية يجب أن لا تتحول إلى منابر للدول الكبرى تفرض بها قيمها، ولا سيما العلمانية منها على آخرين يكرهونها. إن أعضاء الأمم المتحدة لا ينتمون فقط إلى دول مختلفة وإنما ينتمون أيضا إلى ثقافات مختلفة في عقائدهم وقيمهم وتقاليدهم وتاريخهم. إنه لكي يعيش كل هؤلاء تحت مظلة واحدة ليتعاونوا على مواجهة المشكلات التي تواجههم باعتبارهم سكان كرة أرضية واحدة، تجعل من الضروري عليهم أن يعترفوا بهذه الفروق والاختلافات وأن يتسامحوا في العيش معها، وأن لا يلجؤوا لذلك إلي غير الوسائل السلمية لحلها. إن التغيرات الثقافية سواء كانت إلى الأحسن أو الأسوأ إنما تحدث تدريجيا وسلميا. فاستعمال هيئة عالمية مهمة كالأمم المتحدة لفرض مثل هذه التغيرات على الناس لن يشجع إلا على عدم احترام هذه المؤسسة، وعدم الاكتراث لقراراتها. لكن هذا مع الأسف هو الذي يؤمن به كثير من الناس في الغرب. إنهم يريدون لكل الناس أن يكون نظامهم السياسي مثل نظامهم، وأن يفهموا دينهم بالطريقة نفسها التي يفهمون هم بها دينهم، وأن تكون علاقاتهم بين الجنسين مثل علاقاتهم، وأن لا يتصرفوا بطريقة تراها دولة كالولايات المتحدة غير خادمة لمصالحها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة