بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 7 فبراير 2011

لهذا كان اهتمامنا بفكر الشيخ


لهذا كان اهتمامنا بفكر الشيخ


 د. جعفر شيخ إدريس
 ميزة الشيخ أنه سلط ما حباه الله به من أنوار الرسالة المحمدية، وما منحه من مواهب فطرية، وما حلاه به من فضائل خُلقية على مشكلات عصره الواقعية والعلمية، فكان قوله في معظمها هو القول الفصل الذي يشهد له صحيح الأدلة النقلية، وصريح الحجج العقلية، وضوح الصياغة البيانية وجمال القيم الخلقية العلمية.
من المفكرين الإسلاميين الذين سبقوا شيخ الإسلام ابن تيمية أو عاصروه من كان ذا معرفة واسعة بالفكر الفلسفي وما اتصل به آنذاك من علوم رياضية وطبيعية وكيماوية وفلكية ومنطقية وغير ذلك،  لكن بضاعتهم في العلوم الشرعية كانت مزجاة، لذلك تأثروا بكثير من نواحي الفكر اليوناني المخالفة للإسلام، بل إن منهم من جعل هذا الفكر أساساً له، وحاول أن يفسر الإسلام في نطاقه، فجره هذا إلى إنكار بعض أصول الدين أو تأويلها تأويلاً تعطيلياً.
ومنهم من كان ذا معرفة جيدة بالعلوم الشرعية من لغة وتفسير وحديث وفقه وأصول فقه، لكنه يجهل العلوم الفلسفية والكلامية وما اتصل بها جهلاً كاملاً، لذلك لم يستطع أن ينقدها، أو يبين زيفها ويقى الناس شرها.
بل إن من هؤلاء العلماء الأفاضل من كان سبب فتنة لبعض الناس لأنه لم يميز بين ما في الفكر اليوناني من حقائق يؤيدها الدليل العقلي أو الحسي، وما فيه من عقائد فاسدة، وآراء باطلة ولا سيما في مسائل الإلهيات، فحكموا على الجميع بالبطلان ومخالفة الإسلام، وفي أمثال هؤلاء العلماء يقول أبو حامد الغزالي: "ومن ظن أن المناظرة في إبطال هذا من الدين فقد جنى على الدين وضعف أمره، فإن هذه الأمور تقوم عليها براهين هندسية حسابية، لا يبقى معها ريبة، فمن يطلع عليها ويتحقق أدلتها... إذا قيل له إن هذا على خلاف الشرع، لم يسترب فيها وإنما يسترب في الشرع.  وضرر الشرع ممن ينصره لا بطريقه أكثر من ضرره ممن يطعن فيه بطريقه، وهو كما قيل ’عدو عاقل خير من صديق جاهل" [تهافت الفلاسفة، دار المعارف، ص 80]
ومنهم من جمع بين الاطلاع الواسع على هذه العلوم وكان مع ذلك من علماء الشريعة المرموقين، لكن علمه بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وبأقوال السلف كان قليلاً.  بل لم يميز بين صحيح بين صحيح الأحاديث والآثار وضعيفها.  ولم يكن فهمه لمسائل العقيدة هو الفهم السلفي الصحيح الذي تدل عليه النصوص والآثار.
ومنهم من تفرغ للعبادة والذكر والاهتمام بأحوال القلوب ومقومات السلوك، ولم يُرد أن يشغل نفسه بالأمور العامة، ولا سيما مجادلة أهل الباطل.
أما شيخ الإسلام ابن تيمية فقد أعطاه الله تعالى نصيباً وافراً من كل خير أعطاه لهؤلاء المفكرين والعلماء، فقد كان رحمه الله رجلاً حاد الذكاء، سريع القراءة والكتابة والفهم.  وكان بحراً في علوم القرآن والسنة، ذا اطلاع واسع على آثار الصحابة وما جاء بعدهم من الأئمة، متضلعاً في العلوم العربية حتى قيل إنه استدرك عدة مسائل على سيبويه، مطلعاً على أصول الفقه وفروعه وأقوال المذاهب اطلاع العالم المختص، وكان ذا معرفة دقيقة بالمذاهب الكلامية وأقوال الفرق، حتى لقد قال هو عن نفسه إنه جادل الفلاسفة وعمره أربعة عشر عاماً!  وكان عالماً بعقائد اليهود والنصارى ومذاهبهم، غواصاً في علوم عصره الرياضية والطبيعية والفلكية والتاريخية.
وكان إلى جانب هذا العلم الواسع وذاك الذكاء الخارق، رجل عبادة وزهد، وكان مع عبادته وزهده ذا اهتمام كبير بقضايا عصره العملية والعلمية، السياسية والاستراتيجية والاقتصادية والاجتماعية والاعتقادية والتربوية وما شئت من قضايا.  وكان مع جهاده بالقلم واللسان مجاهداً بالسيف والسنان.
ميزة ابن تيمية أنه سلط ما حباه الله به من أنوار الرسالة المحمدية، وما منحه من مواهب فطرية، وما حلاه به من فضائل خلقية، سلط كل هذا على مشكلات عصره الواقعية والعلمية، فكان قوله في معظمها هو القول الفصل الذي يشهد له صحيح الأدلة النقلية، وصريح الحجج العقلية، ووضوح الصياغة البيانية، وجمال القيم الخلقية العلمية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة