بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 15 مارس 2011

مُؤامرةُ الحُريّةِ!




الحُريّةُ، في حدِّها الدَّلاليّ الأدنى، هي شكلُ وُجودٍ اجتماعيٍّ في فضاء جغرافيّ معيّن ينهضُ على تساوي الواجبِ والحقِّ، والتمايُزِ بين الخاصِّ والعامِّ، والتآلُفِ بين الذّاتيّ والجماعيّ. ونُضيفُ بأنّ الحريّةَ لا تُهدَى، بل يفتكُّها الفردُ أو الجماعةُ افتكاكًا من القَيِّمين على الواقع القائمِ. 

ولعلّ ثورة شبابِ تونس جسّدت هذا الافتكاكَ في إطار احتجاجاتٍ سلميّة ذات مطالب محدَّدة نسجتْ على منوالِها جماهيرُ مصر، ونجد لها صدًى في الذي يُنجزه شبابُ ليبيا هذه الأيّام. 

ولئن كان الوقتُ مُبكِّرًا للحديثِ عن انتصارِ شعبيْ تونس ومصر على الفوضى التي كانت تحكم بقبضَتِها مناحي الفعلِ الاجتماعيّ والسياسيّ والثقافيّ في كلا البلَديْن، فإنّه يجوز القولُ إنّ أغلبَ مطالب المحتجّين قد وجدت سبيلَها إلى الإنجاز خاصّة ما تعلّق منها بإزاحةِ رموزِ الماضي وخلخلةِ بنياتِه السياسيّة والاقتصاديّة. لكنَّ الحريّةَ في تونس ومصر ما تزال تُخفي "سِرَّها" ولم يتكشّفْ منها وجهُها، بل لم تَهُبَّ نسائمُها هبوبًا يَستشعرُه الناسُ.
***

والظاهرُ أنّ مُجْرياتِ الأحداثِ التي تلتْ احتجاجاتِ جماهير تونس ومصر تشي بأنّ الثورةَ في هذيْن البلديْن أنجزتْ النصفَ الأوّلَ من المطالبِ الشعبيّة من جهةِ القضاءِ على رموزِ النظاميْن السياسيَيْن السابقيْن وتقفُ الآن مشدوهةً أمام صعوبةِ تحقيقِ مطلب الحريّة، بل إنّ هاتيْن الثورتيْن تجابهان اليوم أصعب امتحانٍ لتنزيل هدفِهما التحرُّريِّ منازل اجتماعيّة، حيث امتزجت فيهما المطالب الشخصية بالمطالب العامّة واختلطتْ فيهما الواجبات بالحقوقِ وعادت إلى الواقع مظاهرُ التكفيرِ الإيديولوجيِّ وغابتْ عنه مظاهرُ التفكيرِ العقلانيِّ. وهو أمرٌ نراه قادرًا على أن يُصيبَ مطلب الحريّةِ بانتكاسةٍ قد تستلزِمُ من تلك الجماهيرِ وقتًا إضافيًّا لإنجازِ ثوراتٍ أخرى تؤسِّسُ بها لهذا المطلب.
***

ولعلّ هذا الوضع الذي ذكرنا يطرح علينا الآن سؤاليْن: هل الشعبان في تونس ومصر لم يبلغا بعدُ مرتبةَ الوعي بمفهومِ الحريّة جعلهما يتخبّطان في أجرأةِ هذا المطلب واقعيًّا؟ وهل يجوز القولُ إنّ مَعَاولَ غربيّةً تهدم في الخفاءِ ما يبني هذان الشعبان من دعاماتٍ لصرحِ الحريّةِ من جهةِ أن وجودَ هذا الصرح قد يحرمُ الغربَ من مصالحِه الاستراتيجيّةِ في هذيْن البلدينِ؟

لا نحبِّذُ القولَ بنظريّة المؤامرة، ولكنّنا نميلُ إليها لتفسيرِ أسبابِ الانزياحاتِ السياسيّةِ والاجتماعيّة التي يعيشُها شَعْبَا تونس ومصر وما صاحب ذلك من قَلقٍ غربيٍّ تجلّت ملامحُه في تسابق سياسيّيه إلى زيارةِ تونس ومصر وتقديم اقتراحاتهم بخصوص نمط الحياةِ السياسيّة في كثيرٍ من الالتفافِ على مطلبِ الحريّةِ أو ما يمكنُ أن نُسمّيه مؤامرةَ الحريّةِ.

امتحان غزة: الدور الفلسطيني لمصر بعد 25 يناير





ليس من المتوقع أن يقود استمرار الانقسام الفلسطيني بين المنخرطين في "عملية السلام" وبين المعارضين لها إلى مساعدة مصر بعد ثورة 25 يناير/ كانون الثاني في انتهاج سياسة تجاه القضية الفلسطينية تفصل بين الالتزامات المصرية، بموجب معاهدة الصلح المنفرد الذي وقعه النظام السابق مع دولة الاحتلال، وبين التزامات تجاه "عملية السلام" فرضها النظام المخلوع على مصر "طوعا".

وما لم يتوحد الموقف الفلسطيني على استراتيجية وطنية بديلة لعملية تفاوضية، انفرط عقد شركائها ولم يعد أحد يساوره أي شك في فشلها بعد حوالي عشرين عاما من فرضها على الشعب الفلسطيني والمنطقة نتيجة الخلل في ميزان القوى الناجم أولا وأخيرا عن توقيع المعاهدة المصرية- الإسرائيلية، فإن النظام الجديد الذي يتبلور حاليا في مصر سوف يجد في استمرار الانقسام الفلسطيني عقبة لا تسهل توجها له مؤشراته واضحة للفصل بين التزامات مصر التعاقدية بموجب هذه المعاهدة، وبين التزامات نظام الرئيس السابق حسني مبارك الطوعية بـ"عملية السلام".

إن الضغوط الأمريكية بخاصة لحصر التغيير الذي ثار الشعب المصري من أجل إحداثه على الشأن الداخلي دون أن يطال العلاقات المصرية الخارجية المنبثقة عن اتفاقيات كامب ديفيد مع دولة الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة، والمرحلة الانتقالية الدقيقة التي يمر بها صنع القرار الوطني المصري بعد ثورة 25 يناير/ كانون الثاني، واستمرار الحديث عن "ثورة مضادة" حد أن يعلن رئيس الأركان الحالي للقوات المسلحة المصرية الفريق سامي عنان عن إحباط محاولة "انقلاب" بقيادة قائد الحرس الجمهوري لرئيس الجمهورية المخلوع، مما يكسب الحديث عن ثورة مضادة واقعية خطيرة تهدد بانتكاس ثورة 25 يناير،.. هذه العوامل وغيرها يجب أن تدفع باتجاه تسريع إنهاء الانقسام الفلسطيني على أساس لا يجد فيه صانع القرار المصري نفسه مخيرا فلسطينيا بين المنخرطين في "عملية السلام" وبين المعارضين لها.

ومن الواضح أن استمرار تمسك مفاوض منظمة التحرير الفلسطينية بـ"عملية السلام" سوف يضعف أي توجه مصري جديد نحو إنهاء الخلط الذي مارسه نظام مبارك بين احترام المعاهدات والاتفاقيات "الدولية والإقليمية" الموقعة، وهو ما سارع المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية الحاكم الآن إلى إعلان احترامه له أيضا، وبين التزام النظام السابق بـ"عملية السلام". فاستمرار التزام مفاوض المنظمة بهذه العملية سوف تستخدمه الولايات المتحدة بالتأكيد كحجة قوية للضغط على النظام الجديد الذي يتبلور في مصر الآن لمواصلة عملية الخلط السابقة.

ويمكن للمراقب حاليا أن يتكهن بأن واشنطن سوف تقول لقادة مصر الجدد إنه لا يمكنهم أن يكونوا ملكيين أكثر من الملك وفلسطينيين أكثر من الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني الذي يمثله مفاوض المنظمة. ولا بد من مسارعة فلسطينية إلى إسقاط هذه الحجة الأمريكية كوسيلة ضغط على قرار القاهرة.

في عهد مبارك، كان أفضل ما يمكن أن يتوقعه عرب فلسطين من نظامه هو أن يلتزم بما كان يدعيه من "حياد" بين نضالهم الوطني وبين عدوان دولة الاحتلال الإسرائيلي المتواصل عليهم وعلى أرضهم، لكن العدوان الإسرائيلي الشامل على قطاع غزة قبل أكثر من عامين أسقط كل ادعاءات نظام مبارك بـ"الحياد"، وبالحرص على الوحدة الوطنية الفلسطينية في مواجهة الاحتلال، بعد أن أسقط خذلان "الشريك الأمريكي" له في الوفاء بوعوده في ما يسمى "عملية السلام" كل إدعاءات نظام مبارك بدعم مفاوض منظمة التحرير الفلسطينية في تلك العملية العقيمة، ليتحول إلى شريك علني للاحتلال الإسرائيلي وراعيه الأمريكي في الحصار الخانق المفروض على قطاع غزة وفي تغذية الانقسام الوطني الفلسطيني.

ويبدو اليوم أن غزة التي كانت الامتحان الذي أسقط كل صدقية نظام مبارك العربية والفلسطينية و"السلمية" سوف تكون أيضا هي الامتحان الأول الذي يثبت فيه قادة مصر الجدد صدق تجاوبهم واستجابتهم لنبض جماهير ثورة 25 يناير الوطني والعربي والإسلامي.

في كامب ديفيد الأمريكية حوصرت عروبة مصر قبل ثلاثين عاما ونيف، عندما تمكن الرئيس الراحل أنور السادات من اختطاف الانتصار العسكري الباهر الذي أنجزته بطولات جيشها في حرب تشرين/ أكتوبر عام 1973 ليتنكر لتضحيات آلاف الشهداء المصريين الذين سقطوا فيها وقبلها دفاعا عن مصر وفلسطين معا فيوقع معاهدة الصلح المنفرد مع دولة المشروع الصهيوني التي فصلت بين عرب أرض الكنانة وبين أشقائهم في عمق مصر الاستراتيجي العربي في بلاد الشام، وبين شعب مصر العربي وبين إصراره على تحمل مسؤولياته القومية تجاه قضية فلسطين التي فشلت ثلاثة عقود من الزمن من الدعاية المضللة في "غسل دماغه" كي يقطع صلته العضوية بانتمائه الطبيعي إلى الهوية العربية الإسلامية.

لقد تحول "تحالف السلام" المصري- الأمريكي مع دولة الاحتلال الإسرائيلي إلى سند استراتيجي لها، مما جعل قادتها مطمئنين إلى أن خاصرتها المصرية "مؤمنة حين يذهبون إلى الحرب أو يبنون المستوطنات أو يفاوضون على السلام على الجبهات الأخرى، حتى أن خطة "رئيس الوزراء بنيامين" نتنياهو التي استهدفت الهجوم على إيران كانت على أساس ضمان تاييد مبارك لتلك الخطوة ولذلك تم تأجيلها وإعادة النظر فيها الآن" بعد ثورة 25 يوليو كما كتب ألوف بن في هآرتس في الثالث عشر من الشهر الجاري، مما أطلق يدها حرة في فرض إملاءاتها على محيطها العربي الإسلامي حتى أجمع قادته على "مبادرة السلام العربية"، بتكلفة أقل خفضت ميزانية الحرب الإسرائيلية من "40%" من الميزانية العامة قبل كامب ديفيد إلى "%10" حاليا، وعزز قدرتها على الاحتفاظ بمكاسبها الإقليمية من عدوانها العسكري عام 1967 في الأراضي السورية والفلسطينية واللبنانية المحتلة، وحرك آلتها العسكرية المتحررة من الرادع المصري لشن الحروب أو التهديد بها، وارتهن قضية فلسطين وحق شعبها في تقرير مصيره فوق أرضه للخلل في ميزان القوى الناجم عن تحييد مصر في الصراع العربي معها، مما أكسبها الوقت الكافي كي تستعمر بالتهويد الاستيطاني ما لم يكن قد تهود بعد من الوطن التاريخي لعرب فلسطين وكي تحاصر المقاومة الفلسطينية للدفاع عن الحق الوطني والعربي والإسلامي في ثالث الحرمين الشريفين وموطن الإسراء والمعراج النبوي الشريف دون أي رادع عربي أو إسلامي.

كل هذا الإرث الثقيل لنظام كامب ديفيد يخطر ببال عرب فلسطين وهم يستمعون إلى وزير الخارجية في حكومة تسيير الأعمال المصرية الجديدة، نبيل العربي، يدعو إلى "مراجعة شاملة" للسياسة الخارجية لبلاده على نحو "يليق بتاريخها ومكانتها في العالم" بهدف "التحقق من أن معاهدات مصر مع الدول الأخرى تحترم من الجانبين على قدم المساواة"، ويدعو إلى "مراجعة" الحصار المفروض على غزة كونه "يتعارض مع القانون الدولي والانساني"، كما كتب قائلا، كمدخل أول لعودة الحكم في القاهرة إلى شعبه ونبضه العربي والاسلامي والفلسطيني، كي يتفاءلوا بأن يكون "اسمه على مسمى"، ليكون "العربي" عنوانا صادقا لـ"حق مصر في أن تلغي معاهدة كامب ديفيد" التي قطعت صلتها بمسؤولياتها القيادية تجاه العرب والعروبة.

ويدرك "العربي" في مصر اليوم أن عرب فلسطين تحت الاحتلال يترقبون على أحر من الجمر "التغييرات الكبيرة" في السياسة المصرية التي وعد بها يوم الثلاثاء الماضي السفير المصري في رام الله بالضفة الغربية، ياسر عثمان، تجاه حصار قطاع غزة والانقسام الوطني الفلسطيني، ويتفاءلون بمجموعة من المؤشرات الإيجابية إلى صدق النوايا توالت خلال الأيام الأخيرة، ومنها السماح بإدخال الاسمنت إلى القطاع رسميا لأول مرة مما يبشر بسياسة تغني المحاصرين في القطاع عن "اقتصاد الأنفاق"، والسماح لمسؤولين في غزة بالسفر إلى الخرطوم لحضور مؤتمر حول القدس مما يبشر بفتح البوابة الوحيدة المصرية أمامهم إلى العالم الخارجي، وإلغاء زيارة نائب رئيس المخابرات المصرية، اللواء محمد إبراهيم، إلى رام الله مما يبشر بنقل رعاية ملف المصالحة الفلسطينية من "ثقب الإبرة الأمني" المصري إلى الفضاء الرحب لسعة أفق شخصية مخضرمة خبيرة في القانون والسياسة الخارجية مثل نبيل العربي، إلخ.

لكن الرسالة التي بعث بها رئيس الحكومة الفلسطينية "المقالة" في غزة، إسماعيل هنية، إلى رئيس المجلس العسكري المشير محمد حسين طنطاوي الأسبوع الماضي بقدر ماعبرت عن الآمال الفلسطينية في دور فلسطيني جديد لمصر بعد 25 يناير يشمل "وضع إخوانكم في الساحة الفلسطينية وخارجها" بقدر ما كشفت الحذر الشديد الذي يتعامل به الحكم الجديد مع الملف الفلسطيني حد السلبية مما دفع هنية إلى الحث على "إعادة العلاقات المصرية الفلسطينية إلى طبيعتها الراسخة ومعالجة القضايا التي لا تزال بحاجة إلى علاج ومتابعة من المرحلة السابقة".

إن ملاحظة هنية في رسالته أنه بالرغم من فتح معبر رفح فإن غزة من خلال متابعتها لسير العمل اليومي في المعبر لا تزال تجد "أن جهاز أمن الدولة المصري لا زال يحول دون سفر وعودة أبناء شعبنا" إنما هو مؤشر إلى استمرار الحذر المصري "ميدانيا"، وعدم حدوث تغيير جوهري "سياسيا" حيال الانقسام الفلسطيني بالمقارنة مع الموقف المصري في عهد مبارك كما يتضح من مطالبة هنية للمشير طنطاوي بـ"استقبال وفد من غزة للتباحث والتشاور.. وبناء علاقة جديدة وطيدة"، خصوصا بعد استقبال وزير الخارجية ورئيس المخابرات المصرية الجديدين في القاهرة لمفوض العلاقات الخارجية وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح د. نبيل شعث من الطرف الاخر من الانقسام الفلسطيني.

وآمال عرب فلسطين في دور فلسطيني جديد لمصر متواضعة، وتقتصر طموحاتهم الراهنة على التخلي عن إرث مبارك للفصل في الأقل بين التزامات مصر بموجب اتفاقياتها مع دولتي الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين والأمريكي في العراق وبين التزامات تطوع بها نظام مبارك تجاه "عملية السلام" لا علاقة لها بكامب ديفيد واتفاقياته.

فعلى سبيل المثال، إذا كانت هذه الاتفاقيات تلزم مصر بالتخلي عن اتفاقية الدفاع العربي المشترك فإنها لا تلزمها باتفاق دفاع مشترك مع دولة الاحتلال، وإذا كانت تلزمها بعدم دعم المقاومة الفلسطينية فإنها لا تلزمها بالتحول إلى شريك في مطاردتها وحصارها، ولا تلزمها بالتحول إلى شريك لدولة الاحتلال في حصار غزة وتعميق الانقسام الفلسطيني عن طريق "تقوية السلطة الفلسطينية" و"إضعاف حماس"، و"زيادة الضغط" عليها كما كان الهدف من استضافة مصر ل"مؤتمر إعادة إعمار غزة" في شرم الشيخ في الثاني من آذار/ مارس عام 2009، ولا بأن تبذل مصر أقصى جهودها من أجل "عزل حماس وإضعافها" حتى لو جعل ذلك مصر "تخاطر بالظهور بمظهر من يقف إلى جانب إسرائيل كسجان للفلسطينيين الغزازوة"، ولا تلزم القاهرة بـ"التصميم المصري" على تحقيق النجاح" في ذلك " كما فعل نظام مبارك "مهما قد يسببه ذلك من مخاطر تتعلق باهدافه المعلنة" في "دعم السلطة الفلسطينية ونزع الشرعية عن حماس" كما جاء في وثيقة سرية عبارة عن برقية من السفيرة الأمريكية في القاهرة مارغريت سكوبي مؤرخة في 26/ 2/ 2009 ونشرتها التلغراف البريطانية يوم الخميس الماضي نقلا عن موقع "ويكيليكس".

الديمقراطية في بلداننا.. ولادة عسيرة!






إنّ المظاهرات التي تجتاح معظم بلداننا من المحيط إلى الخليـج والمطالبة بالحريات، والعدالة، وتغيير الأنظمة السياسية المسيطرة على مقدرات الشعوب بالقوة تمثل بدون أدنى شك صحوة لا يمكن إخمادها. ويبدو واضحا أن الأنظمة العربية تعيش في واد وأن مواطنينا يعيشون في واد آخر.

إنه منذ حصول بلداننا على استقلالها عن الاستعمار الأوروبـي وقضية الحكم مطروحة بقوة وإلحاح، ولكن النخب التي استولت على الحكم مرة بواسطة انقلابات عسكرية، ومرة بواسطة توريث السلطة عائليا أو نخبويا أو طائفيا لم تمنح الفرصة لأي حوار حقيقي وجدي لإنضاج وبلورة آليات الانتقال من حكم الفرد المستبد إلى مرحلة تداول الحكم وفقا للشرعية الديمقراطية.

من المعروف أن الحكام العرب الذين اغتصبوا الحكم بالانقلابات العسكرية أو بواسطة ممارسة تقليد الملكية أو التقليد الأميري قد أجهضوا أية محاولة لفك الارتباط بشكل نهائي مع الأساليب القمعية والديكتاتورية.

في هذا المناخ غير الطبيعي استولى هؤلاء الحكام ومن تولى الحكم على الإعلام وسخروه لأغراضهم، ونهبوا الثروات الوطنية وحولوها إلى ملكية خاصة بعائلتهم وبالشلل المقربة والمطيعة لهم.

ونتيجة لذلك ساد في بلداننا الفقر، وتكرست كل أشكال التهميش، والغبن الاجتماعي والقمع السياسي فضلا عن البيروقراطية التي عممت الاغتراب بين صفوف المواطنين البسطاء.

في ظل هذا النمط من الحكم الاستبدادي تحطمت العلاقة بين المواطنين وحكامهم، تلك العلاقة التي تحولت إلى انقطاع دائم ونفور نفسي محتدم.

في هذا السياق لاحظنا منذ استقلال بلداننا بروز أشكال عدم الرضا حينا، والتمردات حينا آخر، كتعبير عن وجود أزمة حقيقية في الدولة الوطنية التي تفتقد إلى الشرعية وإلى مبررات وجودها أصلا.

إن مناخ عدم الاستقرار، وعدم تجاوب الحكام مع مطالب وطموحات مواطنينا مثّل وما يزال يمثل مصدر الاحتقان، وفشل مشروع الاستقلال الوطني برمته؛ مما أسس وما يزال يؤسس للتخلف كظاهرة مرتبطة كل الارتباط بعمليات فرض الديكتاتورية من قبل السلطات الحاكمة على الشرائح الاجتماعية المختلفة.

إنه جراء كل هذا قد برزت في بلداننا ظاهرة خطيرة تتمثل جوهريا في انعدام الثقة بين المواطنين وبين الحكام، علما أن غياب الثقة في أي مجتمع وفي أي دولة هو أساس انهيار ذلك المجتمع وتلك الدولة.

إنّ ما نراه الآن يتجسد في شكل مظاهرات عارمة، وتمردات غاضبة وعنيفة من المحيط إلى الخليج ليس إلا رفضا قاطعا للدولة الديكتاتورية غير العادلة، وغير النابعة من المجتمع بشكل سلمي ومنظم.

إنه على مدى نصف قرن من حصول بلداننا على استقلالها لم تتحقق التنمية الحديثة، ولم يتم إنجاز بناء ثقافة وطنية تقدمية تتجاوز أنماط المجتمع المغرق في التقليدية البدائية. إنه لم يتم إنشاء مجتمع المواطنين المتساوين في الحقوق وأمام القانون. إنه بالعكس من ذلك فقد تم الإجهاز بشكل منهجي على مكتسبات حركات تحررنا الوطني، وهكذا استبدل المستعمر الأجنبي بالمستعمر المحلي الذي لا يقل قسوة وعنفا ماديا ورمزيا عن ذلك المحتل الأوروبي الذي قاومته شعوبنا على مدى عقود طويلة من الزمن.

من هنا فإن التحركات الشعبية- التي تطالب الآن بإعادة بناء الدولة الوطنية من جديد على أسس المواطنة، وتداول الحكم سلميا وشرعيا وانتهاج العدل الاجتماعي، ونبذ كافة صور التسلط وتغييب الحريات ومصادرتها- تمثل الأمل في تغيير الأوضاع وفي صلب ذلك تغيير الذهنية الرجعية، والثقافة المتخلفة وأساليب الحكم الديكتاتوري التي أثبتت فشلها الذريع حتى الآن في إنجاز أي تقدم ملموس في مجتمعاتنا التي لم تغادر بعد الطور البدائي على جميع المستويات.

المدخل الطبيعي لإنهاء الانقسام




لا يستطيع المرء إلا أن يكيل الثناء للفعاليات التي تنظم حالياً في الضفة الغربية وقطاع غزة للمطالبة بإنهاء حالة الانقسام الداخلي، الذي لا خلاف على أنه يشكل تهديداً جوهرياً للقضية الوطنية الفلسطينية، ويتوجب تضافر كل الجهود من أجل وضع حد له. لكن للأسف فإن هذه التحركات سيكون مصيرها الفشل المحقق في حال لم تبلور توجه أكثر واقعية إزاء هذه القضية المؤلمة.

ولعل السؤال الذي يطرح هنا: هل جاء الانقسام الداخلي بسبب الخلافات السياسية بين حركتي فتح وحماس، أم أنه نتيجة طبيعية لاتفاقيات أوسلو وأنماط التدخل الأجنبي التي سمحت بها هذه الاتفاقيات في الشأن الفلسطيني الداخلي؟. 

لا شك أن الانقسام هو نتيجة طبيعية لهذه الاتفاقيات التي فرطت بالثوابت الوطنية وباعت الفلسطينيين الوهم، وانتهت إلى ما انتهت عليه، حيث بات من وقع عليها يعترف أنها لم تؤد إلى أي نتيجة إيجابية، وخير دليل على ذلك أن الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية والقدس تعاظم بعد توقيع هذه الاتفاقيات بأكثر من 85 في المئة مما كان عليه قبل عام 1994، وفي الوقت الذي تعلن فيه "إسرائيل" أنها لا تنوي التجاوب مع الحد الأدنى من المطالب الوطنية الفلسطينية، وفي ظل الغطاء الذي توفره الولايات المتحدة ﻠ"إسرائيل" لمواصلة سياساتها التوسعية والعنصرية.

ببساطة قد ألزمت أوسلو الطرف الفلسطيني الذي وقع عليها بأن يتولى حماية حدود "إسرائيل" وضرب مقاومة الشعب الفلسطيني، بحيث إنه في حال تخلى عن هذا الدور الوظيفي تتم محاصرته والتخلص منه. فقد حافظت "إسرائيل" على علاقاتها مع الرئيس الراحل ياسر عرفات، وحرص قادة "إسرائيل" على الالتقاء به في كل مكان، وذلك حتى أكتوبر 2000، حيث التزمت السلطة وأجهزتها الأمنية حتى ذلك الوقت بتعقب المقاومة الفلسطينية وضربها واعتقال قادتها ونشطائها، ولا مجال هنا للتعرض للملاحقة والاعتقال والتعذيب الوحشي الذي تعرض له قادة وكوادر المقاومة من حماس والجهاد الإسلامي وقوى اليسار وحتى من كوادر في حركة "فتح" بسبب نشاطهم المقاوم. لكن بمجرد أن اندلعت انتفاضة الأقصى وبعد أن رفض عرفات ضرب المقاومة.

وبعد أن تبين لـ"إسرائيل" الدور الكبير الذي تلعبه حركة "فتح" في العمل المقاومة في هذه الانتفاضة، سرعان ما تمت شيطنة عرفات من قبل "إسرائيل" والولايات المتحدة ونزعت الشرعية عنه وتمت محاصرته حتى وفاته. ولا مجال هنا للتذكير بالضغوط الهائلة التي تعرض لها عرفات من قبل أمريكا ونظام مبارك المخلوع من أجل القبول بإدخال تعديلات جوهرية على القانون الأساسي تسمح بوجود منصب رئيس وزراء، وذلك من أجل افساح المجال أمام دخول محمود عباس المشهد السياسي، تمهيداً لتتويجه على رأس السلطة، وذلك بسبب موقفه الرافض للمقاومة والعمل المسلح وتعريضه بالمقاومين.

وعندما أجريت الانتخابات التشريعية عام 2006 ظنت "إسرائيل" والولايات المتحدة بأن نتائج الانتخابات ستدعم الواقع السياسي الداخلي في الضفة الغربية وقطاع غزة، وعندما جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن، قررت واشنطن وتل أبيب والنظام الرسمي العربي، سيما نظام مبارك، بالتعاون مع الرئيس محمود عباس وأجهزته الأمنية الانقلاب على الحكومة التي شكلها اسماعيل هنية. ووصل الأمر إلى حد أن قام أليوث أبرامز نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي في عهد الرئيس السابق بوش ببلورة خطة نشرت بنودها الصحف الأمريكية والإسرائيلية وهدفت إلى اسقاط حكم حماس، وهي الخطة التي سمحت بعمل المنسق الأمريكي كيث دايتون.

لقد تم فرض الحصار على قطاع غزة من أجل تحقيق هذا الغرض، حيث ترافق الحصار باعتداءات إسرائيلية كبيرة، وذلك إن كان الأمر يتعلق بالإشكالات بين فتح وحماس، فلماذا تقوم الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية بتعقب ومطاردة نشطاء الجهاد الإسلامي وبعض نشطاء اليسار ونشطاء حركة فتح، لماذا ترفض السلطة تنظيم مظاهرة واحدة جدية ضد الاحتلال.

من هنا فإن انهاء الانقسام يتطلب فقط الانتهاء من أوسلو وتطبيقاتها، ولن نكون عندها بحاجة إلى جلسات حوار وطني ومصالحة. من هنا فإنه يتوجب على الجماهير الفلسطينية الدعوة للتالي:

أولاً: الاتفاق على برنامج وطني مشترك يتضمن الحد الأدنى من المواقف المشتركة بين جميع الفصائل الفلسطينية، وعرضه على العالم على أساس أنه يمثل الموقف الفلسطيني الرسمي.

ثانياً: بلورة موقف موحد من أنماط المقاومة ضد الاحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة، بحيث لا تخضع للمزايدات والتوظيف غير الموضوعي.

ثالثاً: تشكيل قيادة موحدة على أسس تمثيلية ديموقراطية، دون تجاهل جميع مركبات المجتمع الفلسطيني.

رابعاً: وقف التعاون الأمني بين الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة وسلطات الاحتلال، والتوقف عن تقديم المساعدات للجيش الإسرائيلي.

خامساً: وقف الاعتقالات على خلفية سياسية وتنظيمية، باستثناء المتورطين في قضايا ذات خلفية جنائية.

سادساً: بحث مسألة بقاء السلطة الفلسطينية كإطار سياسي يمثل الفلسطينيين في الضفة الغربية ودراسة إمكانية إلغاء وجود السلطة، إلى جانب إعادة بناء منظمة التحرير على أسس وطنية وتمثيلية جديدة.

سابعاً: الاستفادة من المناخ الذي أشاعته الثورة الكبرى التي تجتاح العالم العربي، وتوظيف التحولات الديموقراطية في العالم العربي من أجل إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية بصفتها قضية العرب الأولى.

إن رفع شعار انهاء الانقسام دون ربط ذلك بالتخلص من الأسباب التي قادت إليه لا يشكل مدخلاً موضوعياً للتعاطي مع هذا الخطر الداهم، سيما تحييد قدرة "إسرائيل" على التدخل في الشأن الفلسطيني الداخلي.

بضاعة فاسدة



يعمل بنيامين نتنياهو على إعادة تدوير مواقفه السابقة تجاه التسوية السياسية مع الجانب الفلسطيني، والإيحاء بأنه بصدد مبادرة جديدة ينبغي على المفاوض الفلسطيني تلقفها والعودة إلى طاولة المفاوضات لبحث آليات تطبيقها. 

لكن ما أوردته الصحافة العبرية من عناوين لهذه الخطة يبين بشكل واضح أن الحديث يجري عن اقتراحات سبق للجانب الفلسطيني أن رفضها مرات عدة. وجوهر هذه الخطة ينطلق من اعتراف إسرائيل بدولة فلسطينية بحدود مؤقتة على نحو نصف مساحة الضفة الفلسطينية في إطار تسوية مرحلية طويلة الأمد. 

وفي موضوعة الاستيطان يقترح نتنياهو الإعلان عن تجميد البناء الاستيطاني في المستوطنات المعزولة واستمراره في التجمعات الاستيطانية الكبرى التي تنوي إسرائيل ضمها في إطار الاتفاق الدائم ويستثني أي تجميد في القدس الشرقية.

ويكرر رئيس الوزراء الإسرائيلي شروطه الأمنية عندما يؤكد على ضرورة بقاء الجيش الإسرائيلي في منطقة غور الأردن، وهو شرط يطرحه نتنياهو لإنجاز الاتفاق، مما يعني أنه يضع "فيتو" على اقتراح المفاوض الفلسطيني الذي دعا في وقت سابق إلى إحالة موضوعة الأمن في الضفة إلى طرف ثالث، بحيث لا يتواجد أي جندي إسرائيلي على أراضي الدولة الفلسطينية عند قيامها. 

والطريف في الأمر أن نتنياهو يعتبر أن بقاء قواته العسكرية في منطقة غور الأردن لا يعني سيادة إسرائيلية رسمية عليها، وأن هدف هذا التواجد ينحصر بمهمة منع تهريب الأسلحة إلى الضفة. 

ويلجأ نتنياهو من أجل تسويق بضاعته الفاسدة إلى عرض رزمة من المغريات تقدم إلى المفاوض الفلسطيني، من نمط الإفراج عن أسرى فلسطينيين وخطوات أخرى تعود الجانب الفلسطيني على سماعها تحت عنوان "مبادرات زرع الثقة" كلما هبت رياح المبادرات الإسرائيلية- الأمريكية المكررة. 

وفي سياق عرضه لهذه "المبادرة"، يشير بنيامين نتنياهو إلى أنه بمعرض وضع واشنطن أمام عناوينها الرئيسة على أمل أن تلقى قبولا من الإدارة الأمريكية، وبالتالي تدخل واشنطن على خط الضغوط على المفاوض الفلسطيني مجدداً من أجل القبول بها. مع العلم أن إدارة أوباما لمست بشكل واضح أن مثل هذه العناوين لن تلقى قبولاً من الجانب الفلسطيني وخاصة بعد تجربة المفاوضات الفاشلة التي جرت في العام الماضي. 

ويكاد يجمع المراقبون على أن نتنياهو يسعى من خلال طروحاته السابقة إلى الهروب من استحقاقات كثيرة تفرضها التطورات الإقليمية والتي بدأت تأثيراتها تنعكس على حركة الشارع الفلسطيني وشعاراتها المطالبة بإنهاء الاحتلال. كما يأتي ذلك كخطة استباقية قبيل اجتماع اللجنة الرباعية التي اتخذ أعضاؤها "باستثناء الولايات المتحدة" مواقف إيجابية في مجلس الأمن عندما صادقوا على مشروع القرار الذي يدين الاستيطان الإسرائيلي وتعطل صدور القرار بسبب الفيتو الأمريكي. وفعل نتنياهو مثل ذلك قبل اجتماع الرباعية السابق عندما تقدم برزمة اقتراحات اقتصادية بشأن الضفة والقطاع، والمؤسف أن اللجنة قد تفاعلت مع هذه الاقتراحات في حينها. 

في السياق، يعاود المبعوث الأمريكي ميتشل جهوده على خط التسوية بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي دون أن يحمل في جعبته جديداً، وقد فهم هذا النشاط المتجدد على أنه محاولة لقطع الطريق على التحركات الأوروبية الأخيرة بشأن عملية التسوية من زاوية التنبيه من أن لا وجود لفراغ يتيح للاتحاد الأوروبي الدخول على هذا الخط. 

وتسعى واشنطن لتأجيل اجتماع اللجنة الرباعية لمدة شهر تقريباً حتى يتاح لها احتواء ردات الفعل على "الفيتو" التي أشهرته في مجلس الأمن. كما أن الإدارة الأمريكية تسعى إلى إعادة طرح الاقتراحات التي سبق أن عرضتها على المفاوض الفلسطيني كي يقبل بسحب مشروع القرار بشأن الاستيطان في مجلس الأمن.

وتألفت رزمة الاقتراحات في حينها من ثلاث نقاط رئيسية:

• إصدار بيان رئاسي صادر عن الإدارة الأمريكية حول الاستيطان وبلهجة قوية"!". 

• موافقة واشنطن على قيام وفد من مجلس الأمن بزيارة للأراضي الفلسطينية. وتشير المصادر المطلعة إلى أن هذا كان اقتراحا سابقا قدمته روسيا الاتحادية ورفضته إدارة أوباما. 

• إصدار بيان من اللجنة الرباعية يستجيب للمطالب الفلسطينية ويرفض بشكل صريح الاستيطان ويقر بحدود 4 حزيران/ يونيو 1967، ولكنه "أي البيان" يؤكد في الوقت نفسه على ترتيبات توفر الأمن الإسرائيلي.

لكن هذه الاقتراحات قد رفضت في اجتماع ضم أعضاء اللجنة التنفيذية وقيادات القوى والأحزاب الفلسطينية المنضوية في منظمة التحرير "18/ 2" وتم التأكيد على ضرورة مواصلة التحرك الفلسطيني باتجاه الجمعية العامة للأمم المتحدة من أجل نيل الاعتراف بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967، بعاصمتها القدس والتوجه أيضا إلى سائر المؤسسات والهيئات ذات الصلة بحقوق الإنسان والجرائم ضد الإنسانية من أجل محاسبة إسرائيل على الجرائم التي ارتكبتها بحق الشعب الفلسطيني. ولقد لاقى هذا الموقف ترحيبا شعبيا واسعا على الصعيد الفلسطيني وانعكس إيجابا على حركة الشارع عندما انطلق الشباب الفلسطيني في تظاهرات عارمة نادت بضرورة إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة على طريق إنهاء الاحتلال وإنجاز الاستقلال الوطني. 

وهذا يؤكد على أهمية مواصلة تنفيذ قرارات الاجتماع القيادي الفلسطيني المذكور وعدم الالتفات إلى المحاولات متعددة الجهات التي تسعى إلى إعادة مشهد المفاوضات العبثية إلى صدارة المشهد الفلسطيني. وهذا يتطلب مواصلة الفتح على الخيارات الوطنية الواسعة من خلال إنهاض المقاومة الشعبية وعدم التضييق على التحركات الجماهيرية التي تطالب باستعادة الوحدة وتندد بالاحتلال والاستيطان وقد حصلت هذه التضييقات للأسف في كل من الضفة الفلسطينية وقطاع غزة. 

ولا نعتقد بأن مثل هذه التضييقات ستنجح في كبح جماح الشارع الفلسطيني ومطالبته بالحقوق الوطنية، خاصة أن جميع عناوين المناسبات الوطنية العامة والحزبية قد تحولت إلى تظاهرات جماهيرية واسعة زادت من زخم حركة الشارع. 

ومن الواضح أن الأفق مفتوح أمام هذه التحركات، ربطا بعزيمة الشباب المنخرط فيها وانضمت فئات وشرائح فلسطينية إضافية إلى هذه التحركات وقد نشأت لجان وأطر في كل من الضفة والقطاع تنشط بفاعلية من أجل تصويب الوضع الفلسطيني وتمتينه في مواجهة الاحتلال. 

ونود الإشارة إلى أن الحراك الشعبي الفلسطيني لن يكون بالضرورة مقتصرا على الضفة والقطاع بل يتعدى ذلك تجاه مواقع اللجوء والشتات في سياق دفاع اللاجئين الفلسطينيين عن حق عودتهم إلى ديارهم وممتلكاتهم التي طردوا منها ويكفله لهم القرار الدولي 194. وهذا يفترض على حركة اللاجئين في جميع مواقع تواجدها تطوير عملها والتنسيق فيما بينها من أجل أن يكتمل مشهد الشارع الفلسطيني ويتحد تحت رايات البرنامج الوطني على طريق تحقيق الأهداف الوطنية في العودة والاستقلال.

المشهد السريالي وعنف المضمون مغلفا بالورد



رويدا رويدا يتجه مشهد الاحتجاجات أو الأزمة الراهنة في البحرين إلى السريالية حينا، وإلى العبثية حينا آخر، وإلى "شر البلية ما يضحك" في اختلاط عجائبي لكل المدارس الفنية، بين مشهد "الدوار" حيث الشعار المرفوع "سلمية سلمية"، فيما "عنف المضمون" يتداخل ببعضه بدءًا من خطابات "التسقيط" لكل شيء: للنظام وللحكومة وللدستور، إلى صور الشتم والسباب والإساءة إلى الرموز، وصولا إلى المشهد الاجتماعي لاصطفاف الخيام من دون نسيان حتى "الصم" لتكون لهم خيمة خاصة بهم كمحتجين، وصولا أيضا إلى اختلاط الرؤى وسقوفها من دون تحديد مسار واحد يوحدها، وحيث تتداخل رؤى العلمائيين برؤى الليبراليين والعَلمانيين والقوميين والشيوعيين، مثلما تتداخل رموز المجتمع المدني، برموز الحوزات الدينية المذهبية، فيما الأفكار يتم طبخها من دون إنضاج على روائح المطابخ الحقيقية لأشكال الطعام كافة، وحيث تبدأ المطالب من تسقيط كل المؤسسات إلى إطلاق بيان "الائتلاف الجمهوري" بإعلان "الجمهورية الإسلامية" تحت مسمى الديمقراطية، وقيادتها البارزة من العلمائيين، في كشف سريع وصريح "للانقلاب الفئوي على الحكم"، وحسنا فعل "مشيمع" بتأكيده كل التهم السابقة له ولخليته التي كانت تمارس العنف سنوات في الشارع باعتبار أنها فوق القانون والدستور والنظام وكل ما يتفرخ منها من مؤسسات، وصولا إلى سعيها القديم والمتواتر لتدويل المسار السياسي البحريني عبر اللجوء إلى الأمم المتحدة ومطالبتها بإجراء "استفتاء" دولي لتقرير مصير مستقبل الدولة البحرينية، فيما الدوافع السياسية الطائفية تفوح من أهدافها في قلب نظام الحكم، فإذا بذرائعية تبرير العنف السابق تأخذ عنوانها الجديد بإعلان الجمهورية من دون نسيان شعار "سلمية سلمية" وتقديم الورد.

وفيما المسيرات والاعتصامات بدورها تتخذ شعار "السلمية السلمية" وترفع الورد في كل تحرك تتحركه، يتداخل مجددا المشهد السريالي، حين يتم توجيه المسيرات إلى أماكن تجمع الطائفة الأخرى سواء في البسيتين أو في الرفاع أو في مسيرة "الأكفان" يوم السبت الماضي نحو قصر الصافرية مرددين بالهتاف وبأبواق السيارات بإسقاط النظام والملك، وكل ذلك ليس فيه أي استفزاز بالنسبة إليهم طالما أن عنف المضمون يتم تقديمه مغلفا بالورد، كأننا في مسرحية هزلية أو ساخرة ترتد هزليتها أو سخريتها على من يقف بعدها أمام كاميرات التصوير للدعاية الخارجية، أو أمام ميكروفونات التصريحات لتقديم منطق رموز بعض الجمعيات وهم يفندون ما يحدث بكلام مثل "انظروا، إننا نحمل الورد ونرفع شعار "سلمية سلمية"" متجاهلين مجددا عنف المضمون، فيما أشرنا إليه فيما سبق، مضافا إليه مشهد الخيام في السلمانية وخيام أخرى أمام المرفأ المالي وخطابات التصعيد وتسييس وطأفنة المدارس والطلاب والأطفال، وممارسة الكذب والتزوير من المتصلين بقناة العالم ومثيلاتها ومتجاهلين وصم كل من يخالفهم في كلية المشهد السريالي ﺑ"البلطجية والمرتزقة وعصابات النظام"، رغم أنهم هنا يتحدثون عن غالبية الشعب البحريني التي تتوافق معهم في المطالب الإصلاحية جميعها وتختلف معهم في السقوف المتطايرة حولهم من المطالب التسقيطية للنظام، مثلما تختلف معهم في سلوكات التعبير عن تلك المطالب وهي تدفع كل مؤسسات المجتمع المدني إلى التسييس والطائفية، وتختلف معهم في الاعتداءات اللفظية وبالصور على رموز هي في مكان الاحترام والتقدير لهم كغالبية الشعب البحريني، مما يدل على استخفاف لا مثيل له بالرأي الآخر الذي تم اختزاله في وعي عبثي تسهم فيه حتى النخب المشاركة في الدوار بأن ممثلي هذا الرأي الآخر من الشعب هم مجرد "بلطجية ومرتزقة مجنسين"، وفي أداء هزلي غريب تجاه ما هو مطروح في الدوار سواء بكليته أو ببعضه، وحيث يراه أصحاب الرأي الآخر بالمقابل أن الفئة المتطرفة تعبر عن أجندة خارجية وأنهم عملاء دولة إقليمية كبرى.

وإلى هنا يكون المشهد السريالي قد اكتمل بين الرأي والرأي الآخر، فهؤلاء بلطجية وأولئك عملاء، وهنا استفزاز وهناك رد فعل، وهنا بحث عن الدم لاكتمال مشهد الكربلائية في الاحتجاج، وهناك كظم للغيظ حتى لا ينال الباحث عن الدم ما يريد، وما حدث في جامعة البحرين مؤخرا ينبئ عن قمة ما وصلت إليه السريالية من عبث، وهنا "مسجات" عنيفة وهناك ردود من ذات الصنف، وهنا شل لاقتصاد البلد وتسيير مسيرات إلى المؤسسات والجهات الرسمية والملكية بتصريح "يوضح الهدف" من أحد علماء النجف لقناة العالم وهو يقول: "كل ذلك مطلوب لكسر هيبة الدولة"، فيما الدولة تمارس أقصى وأقسى أنواع ضبط النفس حتى تنجح التهدئة ويبدأ الحوار، فيوقعها ذلك في تصديق المعنيين بكسر الهيبة، إنهم قد نجحوا فيما يريدون فيعيشون الوهم بتجريدية لا يرتقي إليها المسرح التجريدي فيما أعصاب غالبية الشعب مشدودة تتساءل: هل من نهاية لكل هذا العبث؟ فقد امتزجت الوجوه بالخطب، وامتزجت رؤى الدولة المدنية برؤى الجمهورية الطائفية، وامتزج عنف المضمون بالورد، وامتزج الخطاب الديني بالخطاب القومي بالخطاب التقدمي، ليعلو فوقها معا خطاب الطوائف والطائفية، وتمازجت أهواء المثقفين الليبراليين والعَلمانيين بأهواء الطائفيين، وهلم جرا، فهل من مشهد سريالي أكبر من هذا؟ وإلى أين الجميع ذاهب في مثل هذا الخضم؟ وهل هذه احتجاجات من أجل مطالب شعبية يتفق عليها غالبية الشعب وتفتح القيادة باب الحوار الشامل حولها، أم هي لتسييد رؤى فئوية تريد إلغاء تلك الغالبية الشعبية فيما هي تتحدث باسمها؟

فهل كل ما يحدث في مسرح العبث هنا هو تعبير عن الرأي أم أن الديمقراطية انقلبت على أصحابها والمدعين بها لتظهر أسوأ ما فيهم، ولتدل على أن هذه الأزمة قد كشفت عن كل بواطن الخلل في هذا المجتمع، وعن أزمة وعي حقيقية تتدرج من خلل الوعي السياسي والوعي الوطني والوعي الديني لتصل إلى ما هو إنساني وأخلاقي حين يتم تسييس كل شيء، وطأفنة كل شيء وزج الأطفال والمرضى والمعوقين في مشهد الهرولة نحو الهاوية؟!.

الثورة وحيوية الثورة.. والثورة المضادة



لأنها ثورة شعبية حقيقية بكل المقاييس، ولأن لها خصوصيتها العربية الفريدة والتي جعلتها لا تشبه سواها أو سابقاتها من ثورات الأمم.. ولأنها رغم كافة تعابيرها القطرية المختلفة ظروفاً وتعقيدات وأولويات واحدة، فجّرتها وقادتها وحمتها ومنحتها حيويتها جماهيرها، ساحبة من خلفها وهي تتنقل عابرة حدود التجزئة في الوطن العربي نخبها على اختلافها القوى السياسية المعارضة، الملتحقة بها.. لأنها كذلك، كانت بحق قد استحقت أن يطلق عليها حتى أعداؤها الثورة العربية الكبرى، وأيضاً لأنها كذلك، استدعت تلقائياً وبالضرورة، ولكي لا تشذ عن سالف سابقاتها من الثورات الشعبية التاريخية ثورتها المضادة.

الثورة المضادة بوجهيها البديهيين، أعداء الداخل وأعداء الخارج... كان هذا ومنذ لحظتها الأولى، ولعلها به قد تفردت أيضاً عن سواها باتساع جبهة هؤلاء الأعداء وبوجهيها هذين المذكورين واشتداد في شراستهم ذات المنسوب المرتفع ارتفاع منسوب خسارتهم لاندلاعها..

ولأنها كبرى، فالثورة المضادة لها هي أيضاً كبرى أو لا يستهان بحجمها ولا مدى خطورتها، ذلك لاتساع جبهتها ومدى تقاطع والتقاء وتضافر جهود كل تلك الأطراف المتضررة من اندلاعها، داخلاً وخارجاً، وتشابك عرى ذلك التحالف الموضوعي الجامع بينها.

ولأنها ثورة شعبية حقيقية فهي تعني أمراً خطيراً هو التغيير.. وهو هنا أولاً وأخيراً فعل جماهيري وليس من ضامن له إلا الجماهير. فهي كانت، وأيضاً من اللحظة الأولى، تواجه خطر الانحراف واستهداف الإجهاض ومكائد الالتفاف ومحاولات التشويه وضروب من التدخل اللامرئي بدايةً، ومن ثم خطره المباشر لاحقاً، تحت شتى الذرائع ووفق مختلف الوصفات، كما هو المحتمل الآن في الحالة الليبية.

ولأن للثورة المضادة لها، كما قلنا، بعديها المشار إليهما، فقد سبق الداخلي منهما الخارجي واغتنم الأخير فرصة وجود الأول وبدأت نذر المسيرة المضادة بأشكالها المختلفة المتكاملة، وكان لكل ساحة من ساحاتها المختلفة ما تم اعتماده من الأشكال التي رأوا أنها تناسبها.. في الداخل، من هم المتضررون؟!

إنهم، في البدء مكتنز ما تراكم من جسوم النظم البائدة المتسلطة المطاح بها رؤوساً وأطرافاً، أو تلك المؤسسات التي اتسعت وتوسعت لتضم كافة القوى والشرائح المستفيدة من حالة بائد الانحدار والركود العربي الآسن، هذه التي غدا يتهددها فعل التغيير.. إنهم كافة هؤلاء الذين يرون فيه خطراً محدقاً يتهدد مصالحهم التي ارتبطت بمصالح المهيمن الأجنبي وغدت رهينة لتبعيتهم له. الأجنبي الذي كان لعقود الداعم الراعي لاستبدادهم ولبقائهم قبل أن تفاجئهم وتفاجئه الهبة الثورية الجارفة وتفعل في هذا الواقع العربي البائد المسف فعلها... خطر يطل لهم برأسه مع بدء هبوب رياح الحرية الحاملة معها الديمقراطية المبشرة بالضرورة بامتلاك القرار الوطني والقومي، الذي إن كان فعلاً فلسوف يكون، ولأول مرة، هو الاستقلال الحقيقي، والذي إن هو قد تم فمعناه أن رياح الصحوة وتجليات اليقظة سوف تفعل فعلها لجهة دفع مسيرة النهوض قدماً والتي سوف لا تكتمل بالضرورة إلا بالوحدة.. بالمناسبة في التاسع من يناير المنصرم، أو شهر الثورات العربية الراهنة، كانت ذكرى مرور 95 عاماً على اتفاقية سايكس بيكو..

أما أعداء الخارج، فهم ذات أعداء الأمة لقرون خلت هم كل ورثة اصطفافات تليد المشروع الغربي المعادي لأمتنا.. ورثه الاستعمار القديم من القوى الاستعمارية المحدثة، وملحقهم الدائم الصهيوني.. هؤلاء من اُختصروا راهناً في الولايات المتحدة العدوة الأولى للكرامة والحرية والاستقلال والديمقراطية والعدالة والتقدم في الوطن العربي، والجهة الكونية الأكثر كذباً ونفاقاً ولغواً ومزاعم واستخداماً شريراً وزائفاً وأحياناً انتقائياً لمثل هذه المفاهيم جميعها فيما يتعلق بالعرب.. هنا لا ثمة من داعٍ للكلام عن الملحق الغربي أو الأوروبي لهذا العدو، ولا عن وكيله العضوي الصهيوني في المنطقة.. الجميع، ورغم كل المزاعم والإدعاءات والنفاق والتدجيل التي لا تستر غرابيلها شمس الحقيقة، فهم جميعاً من أولئك الذين يعتبرون الديمقراطية مجرد امتياز غربي لا حق للعرب فيها ولا هم يستحقونها، وحتى لا يميلون وراثياً إليها!!!

في الداخل.. في البدء كانت طلائع الثورة المضادة، وبعد أن انهارت أدوات القمع الأمنية الرسمية، هم تحالف نُسج من فلول النظام البائد وقياداته الحزبية المحرضة، والجلاوزة من فلول جلادي تلك الأدوات الأمنية المنهارة، أو ضباط أمن الدولة، ومعهم زمر يسيرونها من المرتزقة والدهماء والمغرر بهم.. شهدنا هذا في تونس ومصر.. وكان للقبلية والجهوية والعائلية دورها في هذا المجال في اليمن، وكذا شبح الطائفية المفتعلة في البحرين والآن في مصر.. ثم كان التباطؤ في مسيرة التغيير من قبل الأوصياء على التحول الجاري لتسلمهم "دستورياً" مسؤولية السلطة والذي يوحي بالتواطؤ، أولاً في تونس، ولاحقاً بصورة أكبر وأكثر وضوحاً في مصر، والذي عادة تليه الاستجابة لمطالب المسيرة الثورية بالقطارة بعد مواجهة التلويح الشعبي مرة أخرى بميدان التحرير، أو إبداء قوة رد الفعل الجماهيري الغاضب على مظاهر هذا التباطؤ التواطؤ؛ يضاف إلى هؤلاء دعاة التدخل الأجنبي والمستغيثون من أول لحظة بالمجتمع الدولي بحسن أو سوء نيّة في ليبيا.. وبعد انتصار الثورة وبدء عجلة التغيير، كان لهذه الثورة المضادة تمظهر آخر يكمن في جيوش من الانتهازيين وصنوف من راكبي أمواجها من المنتفعين والمغيّري ألوانهم ولكناتهم مع تغيير الأزمنة وفي أول المنعطفات.

الآن عاد البلطجية سيرتهم الأولى في مصر، عادت غاراتهم على معتصمي ميدان التحرير، أي أنه لا زال القمع المنظم ممارساً ضد الثوار.. إثارة الطائفية البغيضة وإذكاء بؤر توترها في الأرياف والعشوائيات، وبالتوازي إثارة أخرى للاحتجاجات المطلبية الفئوية التي ليس هذا وقتها والتي لا يحلها إلا نجاح الثورة وإنجاز التغيير..

المطلوب هو تشتيت قوى الثورة.. يقول رئيس الوزراء المصري عصام شرف، الذي أعلن أنه يستمد شرعيته من ميدان التحرير، معلقاً على ما يحدث من انفلات أمني، وواصفاً بعض مظاهر الفتنة الطائفية بين المسلمين والأقباط، أنه "شيء ممنهج". ويقول نائبه الدكتور الجمل، "إننا نواجه ثورة مضادة". أما المشير طنطاوي رئيس المجلس العسكري المستلم لزمام السلطة بعد رحيل رأس النظام، فيحذر من "وجود قوى خارجية تستهدف استقرار وأمن البلاد".. هل هي إشارة للوجه الخارجي للثورة المضادة وفق ما كنا قد ذهبنا إليه؟!

هنا نأتي لهذا البعد، البعد الأجنبي.. هذا المستهدف دائماً للأمة، والآن لثورتها وسابقاً ولا يزال لمقاومتها للمحتلين وشتى أشكال الهيمنة، أو هذا الغرب الراعي والداعم لنخبة من الطغاة في بلادنا، والذي ما انفك يتحدث دائماً وبلا حياء عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، والذي لا يريد ويبذل ما يستطيع للحؤول دون وجود أنظمة قوية بشعوبها في بلادنا.. وإذا كانت، كما أسلفنا، الحرية والديمقراطية هما ألف باء وجود مثل هذه الأنظمة في هذه البلاد فهو معاد للعظم لهذه الديمقراطية، تماماً كما ظل، ومنذ قرون، عدواً دائماً للحرية في بلادنا..

أما ملحقه الإسرائيلي الذي يؤمن بأن كل ما هو سيئ في الوطن العربي هو لصالحه وكل ما هو جيد هو ضده، ومن يعتبر بائد أنظمة الاستبداد المتهاوية جراء الثورة هي كانت عمقه الاستراتيجي الذي خسره، فإعلامه، الذي يعكس عظيم قلقه، لم يتورع عن وصف عصام شرف ونبيل العربي بالمعاديين للسامية!

إن آخر مظاهر دعم الثورة المضادة من قبل سادتها وشادي خيوطها في الخارج هو تباكي هؤلاء الذين ما همهم يوماً الدم العربي ولا الإسلامي.. فلسطين، العراق، الصومال.. تباكيهم عليه في ليبيا، وهم بهذا لا يفعلون سوى تشويه الثورة لا أكثر، ذلك عندما يتحدثون عن الحظر الجوي بنبرة عالية والثوار يتقدمون، ويتراجع لغطهم حوله إن تراجع الثوار، كما هو الحال في راس لانوف والزاوية، ومن ثم يبدأ الحديث عن خطر "القاعدة" والحرب الأهلية وتقسيم ليبيا، أو عن تعادل ميزان القوى وبدء ميله لصالح النظام.. وصولاً لأن يؤكد راسموسن باسم الأطلسي "أننا نراقب فحسب ما يفعله النظام الليبي ضد شعبه".. 

أما التدخل، فالأمريكان يريدونه أطلسياً، والأوروبيون أممياً، والروس والصين لا يحبذونه.. والحقيقة هي أنه إن تهدد النفط فلسوف يتدخلون دون انتظار لسبب ودونما إذن من أحد، وإن قويت الثورة سيسرّعون من هذا التدخل للالتفاف عليها، وإن صمد النظام فلسوف لن يفعلوا أكثر من أن يبتزونه ويتلكأون في التدخل الموهوم لرفع عوائد ابتزازهم.. في بلاد العرب حتى الآن، زعيم مستبد هرب، وآخر تنحى مكرهاً، والثالث لسان حاله هو عليّ وعلى شعبي يا رب، وهناك فيها من ينتظر دوره متحسساً رأسه.. والنتيجة في النهاية لن تكون إلا واحدة..

هذه الثورة العربية الكبرى تمتلك حيويتها الخاصة، ورياح التغيير في واقع هذه الأمة التي استيقظت قد عصفت للتو وانداح لهيبه الثوري في هشيم الواقع الرديء على امتداد خارطتها فأضاء ليلها الداجي الذي طال، ولم يعد هناك من خوف على نوره من أن تطفئه أفواههم!.

النظام الفلسطيني الذي يتعين تغييره أو إسقاطه



لا أدري لماذا يَرتعد البعض من عبارة فلسطينية تقول "إن المطلوب هو إسقاط نظام أوسلو"، أو حتى "تغيير نهج السلطة الفلسطينية".. ينتفض هؤلاء في وجهك كأنك ارتكبت جريمة، وبالمناسبة، بعضهم لن يكترث لو كان لك موقف يصل إلى حدود الخيانة لقضية شعبك أو حتى لو تبرعت بحقوق اللاجئين للعدو كما فعل ياسر عبد ربه مثلا، المهم أن لا تطالب بإسقاط نظام أوسلو، وأن لا تمس، لا من قريب أو من بعيد، قدسية سلطة رام الله العتيدة!

يخافون كلما هتف الشعب: "نريد اسقاط سلطة أوسلو"، واليوم يهرب البعض في السلطة العاجزة نحو شعار جديد يستأنسون به وهو "الشعب يريد إنهاء الانقسام" ونحن إذ لا نرى فيه ضرراً، لكنهم وجدوا في هذه الكلمة السحرية "الانقسام" ضلالتهم وضالتهم في آن، فهناك، في عالم الانقسام وشعاراته الكثيرة، يتساوى الجميع في الخطيئة والجريمة، وهي جريمة لم يرتكبها سوى نفر قليل من تجار القضية ومحترفي الصفقات الفاسدة. في عالم الانقسام تضييع الطاسة الفلسطينية. 

يحاول البعض إيهام الشعب الفلسطيني وتضليله بالقول له "إذا انهارت السلطة في رام الله فهذا سيعني نشوء حالة غير مسبوقة من الفوضى والحصار والانقسام والاقتتال والاحتلال، فوضى عارمة في كل فلسطين المحتلة والمنطقة والعالم، من يدري، قد تنهار البورصة في نيويورك أيضاً وتختل موازين الكون!

لا شيء من هذا سيحدث، لا شيء البتة. السلطة الفلسطينية ستسقط، ويصحو الشعب الفلسطيني في اليوم التالي وهو يشعر بالمزيد من الثقة والأمل والراحة، لأنه أكد لذاته أولا، وللعالم قدرته على تحقيق اختراق حقيقي في مجرى الصراع، وسيحتفي بإنجازه التاريخي لأنه أسقط سلطة العار واستعاد سلطة الشعب وتسييده على قضيته وقراره الوطني. وإن كان لا بد من سلطة فلسطينية، فلتكن سلطة للشعب ومنه، لا سلطة عليه وتعتاش على كتفيه. 

إن إسقاط سلطة أوسلو يعني استعادة الشعب الفلسطيني لمفاتيح قضيته وتحريرها من نفر لا يتعدى عشرات الأشخاص تسلقوا على جراحه وتقاسموا لحمه ودمه على طاولة العبث والمفاوضات..

إن منطق تخويف الناس من "الانهيار" و"الانفلات" هو المنطق ذاته الذي حكم النظام المصري وقبله نظام زين العابدين بن علي في تونس وبعده نظام معمر القذافى الكارثي، إلى آخره من هياكل النظام العربي المتداعي والطائفي والمقيت. هؤلاء سيقولون للشعب كما قال الذين من قبلهم "رام الله غير تونس والقاهرة!! في دفاع مستميت عن سلطتهم وامتيازاتهم ومنافعهم الشخصية والصغيرة.

السلطة الفلسطينية هي نموذج صغير لنظام عربي تابع لقرار الاحتلال "الاسرائيلي"، دور هذا النظام هو منع تحقيق وحدة الشعب الفلسطيني، لذلك يقف حجر عثرة أمام الوحدة وفي طريق التحرر الوطني ويعرض كل الفلسطينيين إلى خطر داهم بسبب تساوقه مع المحتل ويسرق من الشعب كل انتصاراته وإنجازاته ويقوم بتبديدها. 

وتماما مثلما تغول النظام المصري على الدولة ومؤسسات الشعب والقضاء، صادرت السلطة الفلسطينية دور ومكانة منظمة التحرير الفلسطينية وجوفتها من الداخل. إن المنظمة، في الحالة الفلسطينية، هي "المؤسسات الشرعية" التي يجب أن يعاد بناؤها باعتبارها ملكا جماعيا للشعب الفلسطيني، يكون الشعب مرجعية لها ويمنحها الشرعية- طوعا- للتحدث باسمه وتمثيله في المؤسسات والهيئات العربية والدولية. 

خلاصة القول: إذا كانت السلطة الفلسطينية هي النظام الفلسطيني الغاصب لتمثيل الفلسطينيين دون وجه حق، وإن هذا يجري برضى ودعم من النظام العربي الرسمي ومن قوى الغرب الاستعماري وصولا إلى رضى دولة الاحتلال، فإن هذا النظام الفلسطيني الهجين هو الذي يتعين على الشعب الفلسطيني إسقاطه، لأنه النظام الأقصر هامة، وهو الأضعف في سلم النظام العربي الرسمي وجزء لا يتجزأ من هذه المنظومة الغاربة، ويتصرف مثله تماما، يقدس "الأمن"، أمن الاحتلال، ويقوم هو الآخر بتعديلات وزارية وصنع أكبر صحن "مسخن" حتى ولو تحت بساطير الاحتلال!!.

ما يجري في ليبيا: ثورة شعبية أم تنفيذ أجندات أجنبية؟



إن السبب الذي دعاني إلى كتابة هذا المقال هو فضح ممارسات نظام القذافي المتهالك وأزلامه من تشويه لحقيقة ثورة الشعب الليبي؛ وذلك بربطها من ناحية بتنظيم القاعدة والجماعات المتطرفة، وفزاعة إقامة إمارة إسلامية في الشرق الليبي، ومن ناحية أخرى ربطها بتنفيذ أجندات وأطماع غربية في النفط الليبي، بعدما استغل النظام من خلال إعلامه الرسمي اتصال قيادات المجلس الوطني بالحكومة البريطانية والأمريكية، واستغلال قضية القبض على جنود بريطانيين في مدينة بنغازي على يد الثوار.

وقد وجه القذافي في أحد خطاباته اتهامه للمجلس الوطني الانتقالي بالخيانة، مؤكداً أن أعضاءه عملاء للولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، وأن هذه الدول تريد الاستيلاء على النفط الليبي.

والسؤال الذي نحاول الإجابة عليه في هذا المقال هو: ما حقيقة اتهامات القذافي ونظامه ممّا يجري في ليبيا؟

نقول: إن الليبيين يرفضون وبشدة نظام حكم القذافي ويطالبون بإسقاط هذا النظام القمعي والدموي، وتغييره وذلك لعدّة أسباب، لعلّ من أبرزها الآتي:

1 - إن حكم القذافي حكم غير شرعي؛ فهو اغتصب السلطة بانقلاب أسود عام 1969 وبمساعدة أطرف عربية وأجنبية معروفة للجميع وموثقة لدينا، ثم تحول إلى حكم فردي استبدادي عمل على مصادرة كل الحريات الأساسية للمواطن من حرية رأي وتعبير، وحرية العمل السياسي ورفع مكانها شعارات زائفة بدعوى سلطة الشعب كـ"من تحزب خان"، و"لا ديمقراطية بدون مؤتمرات شعبية"، و"الشعب يحكم نفسه بنفسه" وغيرها من الشعارات الجوفاء التي ما لبث أن بدأ من خلالها في سرقة ومصادرة القرار السياسي من الشعب وممارسة الحكم الفردي المستبد.

2 - قيام النظام اللاشرعي بإهدار ثروات الوطن المادية والبشرية على نحو أدى إلى انهيار تام لموارد الدولة، ممّا أدى إلى جعل ليبيا دولة متخلفة على جميع الأصعدة، في التعليم والصحة والإعلام والنقل والخدمات.. الخ.

3 - تعثر مشاريع وخطط التنمية بسبب انتشار الفساد وسرقة المال العام جهاراً نهاراً من قبل عائلة وأزلام النظام وزبانيته دون حسيب أو رقيب أو رادع، وغض النظر من قبل الطاغية عن تلك الجرائم والسرقات. فضلاً عن انعدام الشفافية في أجهزة الدولة ومرافقها، وفساد كبير في الجهاز الإداري للدولة وضياع ثروات طائلة في مشاريع سرعان ما اختفت وأصبحت حبراً على ورق؛ بسبب اختلال معايير التأهيل وتقلد المسؤوليات العامة التي أصبحت تقوم على الولاء والمحسوبية بدلاً من قيامها على الكفاءة والخبرة العلمية.

4 - أن السمة الأساسية لنظام الحكم المستبد قيامه على سياسة القمع والعنف مع كل رأي مخالف ممّا ترتب عليه الزج بآلاف الليبيين في السجون وتعرضهم لأبشع وأغرب صنوف وصور التعذيب البدني والنفسي. وسلوك النظام لأسلوب التصفية والاغتيالات الجسدية لكل مخالف سواء كان في الداخل والخارج، على الرغم من كل محاولات الإصلاح التي قام بها البعض من أجل عودة الديمقراطية والحرية للبلد. إلاّ أن رأس النظام المستبد أغلق عينيه وصمّ أذنيه عن كل محاولات الإصلاح في هذا الشأن ممّا رتب عليه قيام الليبيين بانتزاع حقوقهم المسلوبة بقوة الإرادة، ولو كلفهم ذلك أرواحهم، وهذا ما حدث فعلاً، فقامت ثورة 17 فبراير المباركة التي انطلقت شرارتها في مدينة بنغازي ثم لحقت بركبها العديد من المدن الأخرى، كطبرق والبيضاء ودرنة والزنتان وطرابلس ومصراته والزاوية، ساعيةً لتحقيق مطالبها العادلة والمثمتلة في الآتي: 

أولاً: إسقاط الحكم الفردي المستبد
ثانياً: إقامة نظام مدني ديمقراطي تكون فيه السيادة للشعب
ثالثا: إقامة دولة ديمقراطية تكفل تحقيق الآتي:

1 - كفالة الحقوق والحريات العامة للمواطنين كحرية الرأى والتغيير وحرية ممارسة العمل السياسي.

2 - إقامة حكم القانون وبسطه على كامل تراب الوطن وعلى كل الليبيين، فلا قرابة ولا قبلية ولا ولاء ولا عشيرة في تطبيقه، فالكل سواسية أمامه.

3 - إقامة مؤسسات قوية لبناء دولة عصرية تقوم على مبدأ الفصل بين السلطات واحترام حقوق الإنسان.

4 - كفالة التداول السلمي على السلطة.

آمل في ختام مقالتي هذه أن يدرك إخواننا في الشرق والغرب حقيقة الوضع في ليبيا وما يرتكبه القذافي من جرائم في حق الشعب الليبي؛ لذا نقول هي ثورة شعبية وليست هناك أي أجندات أجنبية يجري تنفيذها في ليبيا. ويجب أن يمتنعوا عن مد يد العون لهذا النظام المتهالك.

كتاب ليبيون رهن الاعتقال مجددا



تناقلت وسائل الإعلام، ومنها جريدة "الخبر الجزائرية"، نبأ اعتقال السلطات الليبية في الأيام الأربعة الماضية لعدد من الكتاب والأدباء الليبيين، ومنهم إدريس المسماري، وجلال الكوافي، ومحمد سميم، والحبيب الأمين، إضافة إلى مجموعة من الإعلاميين والناشطين الحقوقيين والعاملين في مجال حقوق الإنسان. لقد اتهمت أجهزة الأمن والاستخبارات الليبية هؤلاء بأنهم أيدوا الثورة ودعوا إلى الحريات السياسية الإعلامية.

من جهة أخرى فقد أوضحت جريدة "الخبر الجزائرية" بأن الكاتب إدريس المسماري قد أخذ من منزله بعد مداهمة أجهزة الأمن له، كما أن ابنه وزوجته قد تعرضا للضرب. فالكاتب إدريس المسماري اعتقل بعد اتهامه بالتحدث إلى القنوات التلفزيونية حيث أدان استخدام قوات النظام الليبي العسكرية للقصف الجوي ضد المدنيين.

هنا لا بد من التذكير والتوضيح بأنّ الكاتب إدريس المسماري قد تعرض للسجن في الماضي، 16/ 12/ 1979م. أذكر بأني التقيت بهذا الكاتب عدة مرات في طرابلس وبنغازي في عدة لقاءات أدبية إلى جانب كل الأدباء الليبيين الذين تعرضوا للسجن، والاعتقال والترهيب.

فإدريس المسماري المودع في السجن الآن إنسان مسالم، وتوّاق إلى خدمة بلده، والمساهمة في إنعاش وتطوير موهبته، وتطوير الأدب الليبي. فما هو الذنب في أن يعارض قصف المدنيين بالطيران والرصاص؟ وما هو الذنب الذي اقترفه إذا كان يدعو إلى الحرية في بلده؟

لا شك أن لجوء الحاكم الليبي إلى الزج بهؤلاء الكتاب والأدباء في السجن هو دليل قاطع على إفلاس النظام الليبي ووقوفه إلى جانب الظلامية، وأنه يقهر حرية التعبير وممارسة النقد.

إن هذا السلوك يتنافى مع حقوق الإنسان، ومع حق المثقفين، والأدباء، والمفكرين الليبيين في معارضة الديكتاتورية، والاضطهاد بكل أشكاله. إن ممارسة النظام الليبي القمعية ضد المبدعين تضاف إلى السجل المظلم على أيام المكارثية في أمريكا، والستالينية في الإتحاد السوفيتي سابقا، وإلى مختلف سجلات قمع حرية الكلمة في التاريخ الإنساني.

في هذا السياق يجب إدانة الاعتداء على كتاب وأدباء ليبيا سابقا والآن معا. إنه لا بد أن تتحرك اتحادات الكتاب في الأقطار العربية لشجب اعتقال النظام الليبي لأدباء ومثقفي ليبيا فورا.

ندعو أيضا اليونسكو، والمنظمة العربية للثقافة والتربية والعلوم التابعة للجامعة العربية، ومختلف الروابط الأدبية والثقافية والوطنية والإقليمية والدولية إلى استنكار اعتقال وخطف أدباء وكتاب ليبيا. فأين إتحاد كتاب عموم إفريقيا؟ أين إتحاد الكتاب والأدباء العرب؟

وهنا نتساءل: لماذا يتعرض مثقفونا في ليبيا، وفي الدول العربية قاطبة للاضطهاد، والتهميش، والإقصاء، والمساءلة البوليسية، ولشتى أنواع البطش المادي والمعنوي، في حين نجد الأدباء والمفكرين والكتاب في البلدان الديمقراطية يحترمون، ويكرّمون، وينالون الرعاية المادية المعنوية، ولا تمارس ضدهم الرقابة، والطمس، والنفي، والتصفية الجسدية؟

إن الجواب على هذا السؤال بسيط، وهو أن الأنظمة العربية تعادي الثقافة الطليعية، وتحتقر أهل الإبداع والفكر والرأي الذين ينتقدون السلطة القمعية، ويعارضون الحكم الفردي الطاغي، ويتصدون للتخلف المفروض بالبوليس والمخابرات والشلل المستبدة.

إنه حان الوقت لكل مثقف حرّ أن يندّد بقوة بكل أشكال ممارسات القمع الأدبي والفكري في بلداننا، وبالأنظمة العربية الديكتاتورية من المحيط إلى الخليج.

إنسان جديد خلقته الثورة!



الثورة "التي تبدأ بتغيير نظام الحكم السياسي" ليست تغييراً شاملاً وعميقاً للمجتمع، بنُظِمه ومؤسساته المختلفة، فحسب؛ وإنَّما خَلْق لإنسان جديد وجيِّد في أخلاقه وسلوكه وميوله وموازينه وطريقة تفكيره..

ولقد رأينا ملامح، أو بعضاً، من الملامح الأخلاقية والسلوكية والسيكولوجية للإنسان العربي الجديد في الثورتين التونسية والمصرية على وجه الخصوص؛ فإنَّ "الأنا" الضخمة المتضخِّمة، والتي هي جوهر وأساس الأخلاق التي توفَّر أيديولوجيو النظام الرأسمالي، والليبراليون الجدد على وجه الخصوص، على إشاعتها وتثبيتها، قد انكمشت وضمرت بما يكفي لبروز ونمو "النَّحْن"، أو "الغيرية"، وبما يكفي، من ثمَّ، للمضي قُدُماً في الثورة، ومضاعفة مكاسبها وانتصاراتها.

في ميدان التحرير في القاهرة، رأيْنا الثورة على هيئة مغسلة كبرى يغتسل فيها الشباب الثائر "من الجنسين" من الأدران والأوساخ والأوهام والمفاسِد الفكرية والسياسية والأخلاقية؛ فهم جميعاً، وعلى اختلاف وتباين مشاربهم وانتماءاتهم الاجتماعية والدينية والفكرية، أثبتوا، بالقول والفعل، أنَّهم قد طلَّقوا ثلاثاً وهم إصلاح سياسي وديمقراطي.. متأتٍّ، أو يمكن أن يأتي، من نظام حكم النظام المصري الدكتاتوري الفردي، وتزوَّجوا "زواجاً كاثوليكياً" بالحقائق التي لا يخالطها وهم أو خرافة، وأهمُّها حقيقة أنَّ ما يريدونه من إصلاح أو تغيير لن يتوصَّلوا، أو يصلوا، إليه إلاَّ بعد، وبفضل، إطاحة نظام الحكم هذا.

لقد اكتشفوا جميعاً الحقيقة السياسية الثورية الكبرى ألا وهي أنَّ "أزمة الثورة العربية "في ساحاتها وميادينها المختلفة"" هي في المقام الأوَّل "أزمة قيادية"؛ فإنَّ "كرة صغيرة من الثلج "وهذه الكرة إنَّما هي كناية عن القيادة التي تُشْعِل عود الثقاب في داخل برميل من البارود"" يكفي أنْ تتدحرج في موضع مكتظ بالناس حتى تكبر وتكبر وتكبر..؛ لأنَّ كل مجتمع من مجتمعاتنا العربية، وبفضل أنظمة الحكم الأوتوقراطية التي نُكِبْنا بها، قد تهيَّأت لثورته "الشعبية الديمقراطية على حُكَّامه" الأسباب الموضوعية من وقت بعيد ماضٍ، فاشتدت الحاجة، من ثمَّ، إلى قيادة "من نمط القيادة الشبابية للثورتين التونسية والمصرية" تَجْعَل هذا الممكن الثوري واقعاً؛ ولقد أتت هذه الضرورة التاريخية، أخيراً، بما يشبهها ويوافقها من القيادة الثورية.

كان شعارهم الضمني "اليوم نتَّفِق ونتَّحِد جميعاً "توصُّلاً إلى إطاحة نظام الحكم الاستبدادي" وغداً نختلف وننقسم "اختلافاً وانقساماً ديمقراطيين حضاريين، يسمح بهما، ويستلزمهما، المجتمع الجديد المتَّحِد ديمقراطياً""؛ ولقد عرفوا كيف يظلُّوا متَّفِقين متَّحِدين حتى إنجاز المهمَّة التاريخية الكبرى، وهي إطاحة نظام حكم مبارك؛ وأحسب أنَّ المجتمع الديمقراطي الوليد أو الجديد سيكون لهم على هيئة "منشور زجاجي"، نمرِّر فيه شعاع الشمس الأبيض، والذي هو كناية عن اتِّفاقهم ووحدتهم، لِيَخْرُج من "رحم الأبيض" الأحمر والأصفر والأخضر..، فيُظْهِر المجتمع كل الكامن من ألوانه الفكرية والسياسية..

كلُّهم اليوم لون واحد هو "الأبيض"، فإذا أطاحوا نظام الحكم الاستبدادي، وقد أطاحوه، وإذا بَنوا "بأنفسهم ولأنفسهم" مجتمعهم الديمقراطي الجديد، وقد شرعوا يَبْنونه، فلا بدَّ لهم، عندئذٍ، من أنْ يبدأوا "فرز الألوان "والرايات""؛ فهذا الواحد، والذي ظلَّ واحداً حتى أُنْجِزَت تلك المهمَّة التاريخية الكبرى، يجب أنْ يتعدَّد؛ لأنَّ المجتمع الديمقراطي هو "الوحدة مع التنوُّع"، و"التنوُّع مع الوحدة".

ورأيْنا الأخلاق، قِيَماً ومبادئ وموازين وسلوكاً، تتغيَّر هي أيضاً في الثورة، وبالثورة؛ فإنَّ لكل ثورة ما يناسبها من النُّظُم الأخلاقية.

لم نرَ في ميدان التحرير إلاَّ "الجماعية"، تفكيراً وعملاَ، روحاً وإرادةً وميلاً؛ فالفرد هناك كان من أجل الكل، والكل كان من أجل الفرد.

من قبل الثورة، رأيْنا السموم الأخلاقية تُسمِّم عقول ونفوس شبابنا؛ ورأيْنا المتوفِّرين على بثِّها يُصوِّرونها على أنَّها "الحِكَم" التي لا يستنكف عن الأخذ بها، والعمل بمقتضاها، إلا كل أخرق عديم الطموح، ارتضى العيش ابد الدهر بين الحُفَر. وهُم لم يتورَّعوا عن إظهارها على أنَّها "الذكاء الاجتماعي"، فـ"الذكي" إنَّما هو الذي يَعْرِف من أين تؤكَل الكتف؛ فإذا أنتَ ظللت فقيراً بعدما تبوَّأتَ منصباً عاماً فهذا إنَّما يدلُّ على نقصٍ في ذكائكَ، أو وفرة في غبائِكَ، فـ"الفرصة" سنحت لكَ؛ لكنَّكَ فشلتَ في اغتنامها!

كان النظام الأخلاقي القديم يقوم على مبادئ يُلبِّي التزامها حاجة نظام الحكم الاستبدادي إلى بقاء الناس متخلِّقين بأخلاق العبيد؛ فلا خلاص إلا الخلاص الفردي، اسْعَ فيه، وإيَّاكَ أن تسعى في الخلاص الجماعي. مجتمعكَ إنَّما هو "في ماضيه وحاضره ومستقبله" غابة ذئاب، فكُنْ ذئبا حتى لا تأكلكَ الذئاب، فإنْ لم تَقْتُلَ تُقْتَل، وإنْ لم تَسْرِق تُسْرَق، وإنْ لم تُجوِّع غيركَ تجوع. اسْعَ في خطب ودِّ رئيسكَ، وولي نعمتكَ، ولو بما يعود بالضرر على رفاقِك. 

داهِن ذوي السلطان، وجاهِد في سبيل الفوز برضاهم، فقد تصبح مثلهم. إمَّا أن تعمل لمصلحة غيركَ وإمَّا أن يعمل غيركَ لمصلحتكَ. إمَّا أن تكون عبدا وإمَّا أن تكون مالكا للعبيد. إذا كان لديكَ قمح فلا تَبِعْهُ كله.. ادَّخر بعضه "فهذا "قِرْشٌ أبيض" يفيد في "اليوم الأسود"" فقد يجوع الناس، فتبيعُ ما ادَّخَرْت، عندئذٍ، بثمن باهظ. ادْعُ إلى الأمانة والاستقامة حتى يَسْهُلَ عليكَ سرقة مَنْ تحلَّى بتلك الفضيلة. ادْعُ إلى الصِدْق حتى يُصِدِّق الصادق كذبكَ.

لا تبحث عن "الحقيقة"، أو تنحاز إليها، فليست الحقيقة إلا ما يُفكِّر فيه موسوليني الآن؛ وإذا كان لا بد من أن تتعلَّم شيئا فتعلَّم "الكذب الحيوي"، فـ"الحقيقة" إنَّما هي "فن الكذب المفيد"! 

كل شيء فسد، حتى "التحية الأخوية"؛ وفَقَد المجتمع البقية الباقية من إنسانيته، ومن الإنسان في إنسانه، فأنتَ لا يمكنكَ أن تدوس برجلك الإنسانية في غيرك وأن تظل، في الوقت نفسه، محتفظا بإنسانيتك.

في ميدان التحرير، رأيْنا "الفرد"، ورأيْنا "الجماعة"؛ ولقد ثَبُت حتى للطفل في تفكيره ووعيه أنَّ مقولة "الفرد يصنع التاريخ" هي الخرافة بعينها، وأنَّ مقولة "الشعب يصنع التاريخ" هي وحدها المفعمة بالحقيقة.

الفرد هناك لم يختفِ من مسرح الأحداث التاريخية؛ لكنَّ وجوده وبطولته لم يَظْهَرا إلاَّ بصفة كونهما جزءاً لا يتجزَّأ من وجود وبطولة الجماعة؛ فلقد رأيْناه هناك "صانع أحداث"، و"بطلاً"، و"قائداً"، و"نجماً"، يتعلَّم، ويُعلِّم غيره، أهمية وضرورة "الجماعية"، و"التعاون"، روحاً وعملاً وأداءً، وكيف تكون، ويجب أن تكون، العلاقة بين "الأنانية" و"الغيرية"، بين "الفرد" و"الجماعة"، بين "البطل" و"الجمهور"؛ ورأيْناه أيضاً يتعلَّم، ويُعلِّم غيره، أنَّ "الهدف" ما عاد ممكناً أن يتحقَّق إلاَّ بأيدي أناس يؤمنون بمبدأ "الفرد من أجل الكل، والكل من أجل الفرد".

"الأنانيَّة" و"الغَيْريَّة" ضدَّان، الأولى "مذمومة"، في القيم والمبادئ الأخلاقية، والثانية "محمودة". "الأنانيَّة" هي "الأنا" مضخَّمة؛ أمَّا "الغيريَّة" فهي "الإيثار"، أي تفضيل "الغَيْر" على "الذات". 

وبفضل الثورة، وفيها، لم نرَ من سلوك الشباب الثائر إلاَّ ما يؤكِّد هيمنة وسيادة "الغيرية"؛ ولم يبقَ من "الأنانية" إلاَّ السليم منها. وبفضلها، وفيها، اختفى من الوجود كل ما كان يتسبَّب في جعل المجتمع، أو الشعب، أفراداً لا جامع يجمعهم ويوحِّدهم، ويبتني منهم جماعةً قويةً باتِّحادها ضدَّ الحكم الفردي الاستبدادي؛ ولمَّا اتَّحد الشعب، ونهض، وانتصبت قامته، رأى ما كان عاجزاً عن رؤيته؛ فإنَّ قامة الحاكم لا تبدو طويلة، وطويلة جداً، إلاَّ لشعبٍ في وضع الركوع والسجود.

كميات الحديد الإضافية لا تساعد الحوامل



أظهرت دراسة بلجيكية جديدة أنه رغم التوصيات العالمية بتناول الحوامل للمتممات الغذائية التي تحتوي على الحديد، إلا أن ذلك لا يفيدهن بشكل ملحوظ إلا في حال كن مصابات بفقر الدم.
وذكر موقع (ساينس ديلي) الأميركي أن الباحثين في معهد (تروبيكال مديسين انتويرب) توصلوا من خلال دراستهم التي شملت ‬1268 امرأة حامل، أن تناول كميات إضافية من الحديد اثناء الحمل عند النساء الطبيعيات لا يمنع من انخفاض معدلات الهيموغلوبين عندهن.
والهيموغلوبين هو مكون في خلايا الدم الحمراء، مسؤول عن حمل الأكسجين إلى مختلف أجزاء الجسم.
وقال الباحثون:( إن منفعة تناول المتتمات التي تحتوي على الحديد ليست واضحة).
وأشاروا إلى أن هذه المتممات بالطبع ضرورية عند الحوامل المصابات بفقر الدم.
وأعطي نصف من شملتهن الدراسة ‬60 ميليغراماً يومياً من الحديد، فيما اعطيت الباقيات ‬30 ميليغراماً إلى ما بعد الولادة بثلاثة اشهر.
وتبين في نهاية الدراسة أن معدلات الحديد في الدم عند كل النساء، كانت تقريباً هي نفسها، بغض النظر عن الكميات التي تناولنها.

شياطين في هيئة شيوخ السلاطين!




لم أرَ توظيفاً للدين في خدمة المآرب السياسية للحاكم أسوأ من هذا الذي يُرينا إيَّاه الحاكم العربي عندما تُحْدِق به مخاطر ثورة المحكوم، أو الشعب، عليه؛ فهذا الحاكم، الذي نُكِبْنا به، والذي يحكمنا، ويستمر في حكمنا، بكل ما يَفْرِضه عليه اغتصابه السلطة اغتصاباً من وسائل وأساليب، يَرْفُض الزَّج بالدين في السياسة، ويَرْفُض على وجه الخصوص وجود أحزاب سياسية تتَّخِذ من الدين أساساً لها، أو تتلفَّع به؛ لكنَّه يغدو في رُبْع الساعة الأخير من عُمْرِه السياسي، أي قبيل سقوطه، "وليَّ الأمر" الذي ينبغي لـ"الرعية" طاعته، وكأنَّ طاعته من طاعة الله؛ فَمَن يشقُّ عصا الطاعة عليه إنَّما يعصي الخالق، ويتمرَّد عليه؛ ويستطيع شيوخ السلاطين الإتيان بألف دليل شرعي على أنَّ وليِّ الأمر هذا لم يأتِ بما يجعل طاعته طاعةً في معصية الله.

القذافي "أو السلطان معمر القذافي" كان له شيخه وهو يسفح دم الشعب الليبي الذي شقَّ عصا الطاعة عليه، فلم يتورَّع هذا الشيخ عن تكفير كل ليبي يعصي وليَّ الأمر المعتصم بجحره في باب العزيزية.

ولمَّا سُئِل أحد شيوخ السلاطين عن حكم خروج المسيرات "الشعبية" وما يسمَّى بالمظاهرات للمطالبة بالحقوق أجاب قائلاً: إنَّ المظاهرات نوع من الخروج عن طاعة وليِّ الأمر الذي أمرنا الله بطاعته في غير معصية؛ وهي "أي المظاهرات" طريقة من طرائق الكفَّار في الحصول على الحقوق "وقد نهينا عن التشبُّه بهم".

وقال أيضاً: "ومن تلك الدعوات الجاهلية ظهر ما يُسمَّى بالمظاهرات، وأوَّل من أسس هذه المظاهرات هم الكفرة، الذين لا يحكمهم نقل ولا عقل، ثم انتقلت هذه الفتنة إلى بعض بلاد المسلمين على أيدي تلامذة الغرب.. إنَّ المتظاهرين يعيثون في الأرض فساداً، فيقتلون وينهبون ويحرقون ويتعدون على الأنفس والممتلكات حتى قال أحد اللصوص إنَّه ليفرح إذا حصلت مظاهرات لكثرة ما يسرقه وينهبه من خلال مسيره معهم".

وتمادى في التحصين الديني للحاكم إذ شبَّه طاعته بطاعة رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، مُذكِّراً بقول عبادة بن الصامت "بايعنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة، في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وعلى أثرة علينا، وعلى أن لا ننازع الأمر أهله". 

أمَّا الثورات الشعبية الديمقراطية العربية فرأى فيها "فضيلة" الشيخ "سفكاً للدماء، وانتهاكاً للأعراض".

في بعض البلاد العربية، والتي يمكن وصف نظام الحكم فيها بأنَّه "أُوتوقراطي ثيوقراطي"، نرى مغتصبي السلطة "من أصحابها الشرعيين، أي مِمَّن يحق لهم حيازتها، وهُمْ الشعب" يُلفِّعون هذا الاغتصاب بالدين، أو بـ"شرع الله"، ويُنْكِرون، من ثمَّ، أو في الوقت نفسه، "الوجود السياسي" للشعب، فالشعب الذي يحكمونه بـ"شرع الله"، على ما يزعمون، ليس بـ"مصْدَر للسلطات جميعاً"، ولا بـ"مَصْدَر الشرعية "السياسية"" في ممارستهم الحكم.

ويكفي أنْ يَزْعُم كل حاكم مغتصِب للسلطة أنَّه يحكم بـ"شرع الله "كما يفهمه ويفسِّره ويؤوِّله هو"" حتى تصبح طاعة الشعب له واجبة شرعاً، لا يَخْرُج عنها إلاَّ كل عاصٍ لله، متمرِّد على أمره.

أمَّا البلاد العربية التي يتَّسِم نظام الحكم فيها بـ"الأوتوقراطية الخالية من الثيوقراطية" فلا تُنْكِر "الوجود السياسي" للشعب؛ لكنَّها تفهم "الشعب" على أنَّه "شريك ثانوي" للحاكم في الحكم؛ وتفهم "الإصلاح السياسي والديمقراطي" لنظام الحكم فيها على أنَّه دعوة "من الحاكم" إلى "توسيع "وزيادة" مشاركة الشعب" في "القرار"، أو في "الحكم".

إنَّهم ينظرون إلى "الدولة" على أنَّها شيء يشبه "شركة تجارية"، تعود ملكية رأسمالها إلى قلة قليلة من المواطنين، وإلى "الحاكم" في المقام الأوَّل، ويعمل فيها مئات الآلاف، والملايين، من العمَّال، أي "الشعب"؛ وإذا كان لا بدَّ من تحقيق شيء من "الإصلاح السياسي والديمقراطي" فإنَّهم يتصوَّرن هذا "الإصلاح" على أنَّه عمل يشبه السماح لهؤلاء العمَّال، أو الشعب، بامتلاك "أسهم"، على أنْ تظل نسبة ما يملكون من "رأسمال الشركة" أقل مما يَسْمَح لهم بحيازة سلطة إدارتها.

كيف أصبحوا مُلاَّكاً لهذه "الشركة "التي هي كناية عن الوطن والدولة والحكم""، ومن ذا الذي ملَّكهم إيَّاها، قبل أنْ يَبْرزوا في ثياب المصلحين الديمقراطيين، ويتكرَّموا على الشعب بزيادة حصَّته من ملكية هذه الشركة؛ لكن بما لا يتعارض مع "حقِّهم" في الاحتفاظ بحصَّة الأسد من "رأسمالها"؟!

إنَّها "شركة" للشعب وحده حق امتلاكها كاملةً، فاغتصبوها "منه" اغتصاباً تعدَّدت وسائله وأساليبه؛ ثمَّ تخلَّقوا بشيء من أخلاق "المُصْلِح السياسي والديمقراطي"، وشرعوا يتحدَّثون، في "خطابهم الديمقراطي الجديد"، عن حقِّ الشعب في "زيادة مشاركته في تقرير أمْره ومصيره"!

أمَّا وسائلهم وأساليبهم في "إقناع" الشعب "أو الرعية، أو المحكوم" بأنَّه ليس بـ"مَصْدَر الشرعية "السياسية" في الحكم"، وبأنَّهم هُمْ "مَصْدَر الشرعية في امتلاكه حصَّة من هذا الحكم"، فهي القمع والإرهاب والسجون و"الكتائب الأمنية" وقطع الأرزاق والأعناق والفساد والإفساد والارتشاء وشراء الضمائر وإضعاف النفوس وبث الفرقة وإثارة النعرات وتأجيج العصبيات..؛ فإذا نشب الصراع، واحتدم، قاوَم الحاكم بطرائق وأساليب يحاوِل من خلالها أنْ "يُقْنِع" الشعب الثائر عليه بأنَّ سقوطه يُوْقِع الشعب حتماً في فوضى عارمة، وفي "صَوْمَلة أبدية".

ولقد أثبت الحاكم الأوتوقراطي في بلادنا العربية أنَّه يملك من قوى النفي للديمقراطية ما يمكِّنه من أنْ يَحْشِد مئات الآلاف "والملايين" من المواطنين في الميادين "من عاصمة ومدن البلاد" لإظهار وتأكيد ولاء الشعب له؛ فإنَّ المعارضين له هُمْ دائماً فئة ضئيلة ضالة مُغرَّر بها.

على أنَّ كل هذا الحب الشعبي الذي يتمتَّع به الحاكم لا يُزيِّن له أبداً تسيير المجتمع في طريق الديمقراطية الحقيقية؛ فما يراه من حشد شعبي هائل في الميادين تأييداً له لن يُتَرْجَم بمثيل له في صناديق الاقتراع الشفَّافة.

إنَّ بضعة آلاف من المواطنين يتظاهرون ضدَّ الحاكم المستبد الطاغية لأصْدَق دليلاً على وزنه الشعبي من مئات الآلاف "والملايين" من المواطنين الذين يسوقهم إلى الميادين سَوْق القطيع إلى المراعي.

أمَّا إذا أعْجَزَه تنامي ثورة الشعب عليه عن إخراج مئات الآلاف "والملايين" من "أبناء الدولة"، أي من العاملين في أجهزة ومؤسسات حكمه، إلى الميادين ليهتفوا بحياته، واضطَّره إلى خَلْع ما لبسه من لبوس الديمقراطية، فلن يتردَّد، عندئذٍ، في أنْ يقاوِم سقوطه المحتوم بوسائل وطرائق وأساليب زعيم عصابة من عصابات الإجرام؛ وكأنَّ "القذَّافية" هي طريقة الحكم التي يتَّبعها نظام الحكم الاستبدادي العربي عشية سقوطه المحتوم؛ وإنَّها لنهاية مُرْعِبة؛ لكن لا رعب بلا نهاية.

فيروس أنفلونزا "اتش 2 إن 2" ينذر بكارثة صحية

صورة أرشيفيةحذر باحثون أمريكيون من عودة فيروس "اتش 2 إن 2" الذى تفشى فى الستينيات، والذى تسبب فى وفاة من واحد إلى 4 ملايين شخص فى الفترة من 1967 حتى 1968، ويرى الباحثون أن الفيروس مازال يوجد فى الحيوانات والعصافير والخنازير، وينقل إلى الإنسان.

وأجرى فريق من الباحثين الأمريكيين تجاربهم على 90 شخصا فى الولايات المتحدة الأمريكية فى الفترة من عام 2003 حتى 2007 للكشف عن الأجسام المضادة التى تحمل الفيروس، وتوصلوا أن الفئة العمرية فوق الخمسين هى التى لديها مناعة طبيعية ضد الفيروس.

وناشد العلماء بضرورة تطعيم الأطفال والشباب ضد هذا الفيروس قبل وقوع الكارثة، وتشمل تطعيم 10 ملايين شخص، مما يتكلف 180 مليون يورو، وذلك قبل ظهور الوباء مثلما حدث فى فيروس أنفلونزا "اتش 1ان1"

المشاركات الشائعة