بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 15 مارس 2011

الديمقراطية في بلداننا.. ولادة عسيرة!






إنّ المظاهرات التي تجتاح معظم بلداننا من المحيط إلى الخليـج والمطالبة بالحريات، والعدالة، وتغيير الأنظمة السياسية المسيطرة على مقدرات الشعوب بالقوة تمثل بدون أدنى شك صحوة لا يمكن إخمادها. ويبدو واضحا أن الأنظمة العربية تعيش في واد وأن مواطنينا يعيشون في واد آخر.

إنه منذ حصول بلداننا على استقلالها عن الاستعمار الأوروبـي وقضية الحكم مطروحة بقوة وإلحاح، ولكن النخب التي استولت على الحكم مرة بواسطة انقلابات عسكرية، ومرة بواسطة توريث السلطة عائليا أو نخبويا أو طائفيا لم تمنح الفرصة لأي حوار حقيقي وجدي لإنضاج وبلورة آليات الانتقال من حكم الفرد المستبد إلى مرحلة تداول الحكم وفقا للشرعية الديمقراطية.

من المعروف أن الحكام العرب الذين اغتصبوا الحكم بالانقلابات العسكرية أو بواسطة ممارسة تقليد الملكية أو التقليد الأميري قد أجهضوا أية محاولة لفك الارتباط بشكل نهائي مع الأساليب القمعية والديكتاتورية.

في هذا المناخ غير الطبيعي استولى هؤلاء الحكام ومن تولى الحكم على الإعلام وسخروه لأغراضهم، ونهبوا الثروات الوطنية وحولوها إلى ملكية خاصة بعائلتهم وبالشلل المقربة والمطيعة لهم.

ونتيجة لذلك ساد في بلداننا الفقر، وتكرست كل أشكال التهميش، والغبن الاجتماعي والقمع السياسي فضلا عن البيروقراطية التي عممت الاغتراب بين صفوف المواطنين البسطاء.

في ظل هذا النمط من الحكم الاستبدادي تحطمت العلاقة بين المواطنين وحكامهم، تلك العلاقة التي تحولت إلى انقطاع دائم ونفور نفسي محتدم.

في هذا السياق لاحظنا منذ استقلال بلداننا بروز أشكال عدم الرضا حينا، والتمردات حينا آخر، كتعبير عن وجود أزمة حقيقية في الدولة الوطنية التي تفتقد إلى الشرعية وإلى مبررات وجودها أصلا.

إن مناخ عدم الاستقرار، وعدم تجاوب الحكام مع مطالب وطموحات مواطنينا مثّل وما يزال يمثل مصدر الاحتقان، وفشل مشروع الاستقلال الوطني برمته؛ مما أسس وما يزال يؤسس للتخلف كظاهرة مرتبطة كل الارتباط بعمليات فرض الديكتاتورية من قبل السلطات الحاكمة على الشرائح الاجتماعية المختلفة.

إنه جراء كل هذا قد برزت في بلداننا ظاهرة خطيرة تتمثل جوهريا في انعدام الثقة بين المواطنين وبين الحكام، علما أن غياب الثقة في أي مجتمع وفي أي دولة هو أساس انهيار ذلك المجتمع وتلك الدولة.

إنّ ما نراه الآن يتجسد في شكل مظاهرات عارمة، وتمردات غاضبة وعنيفة من المحيط إلى الخليج ليس إلا رفضا قاطعا للدولة الديكتاتورية غير العادلة، وغير النابعة من المجتمع بشكل سلمي ومنظم.

إنه على مدى نصف قرن من حصول بلداننا على استقلالها لم تتحقق التنمية الحديثة، ولم يتم إنجاز بناء ثقافة وطنية تقدمية تتجاوز أنماط المجتمع المغرق في التقليدية البدائية. إنه لم يتم إنشاء مجتمع المواطنين المتساوين في الحقوق وأمام القانون. إنه بالعكس من ذلك فقد تم الإجهاز بشكل منهجي على مكتسبات حركات تحررنا الوطني، وهكذا استبدل المستعمر الأجنبي بالمستعمر المحلي الذي لا يقل قسوة وعنفا ماديا ورمزيا عن ذلك المحتل الأوروبي الذي قاومته شعوبنا على مدى عقود طويلة من الزمن.

من هنا فإن التحركات الشعبية- التي تطالب الآن بإعادة بناء الدولة الوطنية من جديد على أسس المواطنة، وتداول الحكم سلميا وشرعيا وانتهاج العدل الاجتماعي، ونبذ كافة صور التسلط وتغييب الحريات ومصادرتها- تمثل الأمل في تغيير الأوضاع وفي صلب ذلك تغيير الذهنية الرجعية، والثقافة المتخلفة وأساليب الحكم الديكتاتوري التي أثبتت فشلها الذريع حتى الآن في إنجاز أي تقدم ملموس في مجتمعاتنا التي لم تغادر بعد الطور البدائي على جميع المستويات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة