بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 15 مارس 2011

مُؤامرةُ الحُريّةِ!




الحُريّةُ، في حدِّها الدَّلاليّ الأدنى، هي شكلُ وُجودٍ اجتماعيٍّ في فضاء جغرافيّ معيّن ينهضُ على تساوي الواجبِ والحقِّ، والتمايُزِ بين الخاصِّ والعامِّ، والتآلُفِ بين الذّاتيّ والجماعيّ. ونُضيفُ بأنّ الحريّةَ لا تُهدَى، بل يفتكُّها الفردُ أو الجماعةُ افتكاكًا من القَيِّمين على الواقع القائمِ. 

ولعلّ ثورة شبابِ تونس جسّدت هذا الافتكاكَ في إطار احتجاجاتٍ سلميّة ذات مطالب محدَّدة نسجتْ على منوالِها جماهيرُ مصر، ونجد لها صدًى في الذي يُنجزه شبابُ ليبيا هذه الأيّام. 

ولئن كان الوقتُ مُبكِّرًا للحديثِ عن انتصارِ شعبيْ تونس ومصر على الفوضى التي كانت تحكم بقبضَتِها مناحي الفعلِ الاجتماعيّ والسياسيّ والثقافيّ في كلا البلَديْن، فإنّه يجوز القولُ إنّ أغلبَ مطالب المحتجّين قد وجدت سبيلَها إلى الإنجاز خاصّة ما تعلّق منها بإزاحةِ رموزِ الماضي وخلخلةِ بنياتِه السياسيّة والاقتصاديّة. لكنَّ الحريّةَ في تونس ومصر ما تزال تُخفي "سِرَّها" ولم يتكشّفْ منها وجهُها، بل لم تَهُبَّ نسائمُها هبوبًا يَستشعرُه الناسُ.
***

والظاهرُ أنّ مُجْرياتِ الأحداثِ التي تلتْ احتجاجاتِ جماهير تونس ومصر تشي بأنّ الثورةَ في هذيْن البلديْن أنجزتْ النصفَ الأوّلَ من المطالبِ الشعبيّة من جهةِ القضاءِ على رموزِ النظاميْن السياسيَيْن السابقيْن وتقفُ الآن مشدوهةً أمام صعوبةِ تحقيقِ مطلب الحريّة، بل إنّ هاتيْن الثورتيْن تجابهان اليوم أصعب امتحانٍ لتنزيل هدفِهما التحرُّريِّ منازل اجتماعيّة، حيث امتزجت فيهما المطالب الشخصية بالمطالب العامّة واختلطتْ فيهما الواجبات بالحقوقِ وعادت إلى الواقع مظاهرُ التكفيرِ الإيديولوجيِّ وغابتْ عنه مظاهرُ التفكيرِ العقلانيِّ. وهو أمرٌ نراه قادرًا على أن يُصيبَ مطلب الحريّةِ بانتكاسةٍ قد تستلزِمُ من تلك الجماهيرِ وقتًا إضافيًّا لإنجازِ ثوراتٍ أخرى تؤسِّسُ بها لهذا المطلب.
***

ولعلّ هذا الوضع الذي ذكرنا يطرح علينا الآن سؤاليْن: هل الشعبان في تونس ومصر لم يبلغا بعدُ مرتبةَ الوعي بمفهومِ الحريّة جعلهما يتخبّطان في أجرأةِ هذا المطلب واقعيًّا؟ وهل يجوز القولُ إنّ مَعَاولَ غربيّةً تهدم في الخفاءِ ما يبني هذان الشعبان من دعاماتٍ لصرحِ الحريّةِ من جهةِ أن وجودَ هذا الصرح قد يحرمُ الغربَ من مصالحِه الاستراتيجيّةِ في هذيْن البلدينِ؟

لا نحبِّذُ القولَ بنظريّة المؤامرة، ولكنّنا نميلُ إليها لتفسيرِ أسبابِ الانزياحاتِ السياسيّةِ والاجتماعيّة التي يعيشُها شَعْبَا تونس ومصر وما صاحب ذلك من قَلقٍ غربيٍّ تجلّت ملامحُه في تسابق سياسيّيه إلى زيارةِ تونس ومصر وتقديم اقتراحاتهم بخصوص نمط الحياةِ السياسيّة في كثيرٍ من الالتفافِ على مطلبِ الحريّةِ أو ما يمكنُ أن نُسمّيه مؤامرةَ الحريّةِ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة