بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 15 مارس 2011

المشهد السريالي وعنف المضمون مغلفا بالورد



رويدا رويدا يتجه مشهد الاحتجاجات أو الأزمة الراهنة في البحرين إلى السريالية حينا، وإلى العبثية حينا آخر، وإلى "شر البلية ما يضحك" في اختلاط عجائبي لكل المدارس الفنية، بين مشهد "الدوار" حيث الشعار المرفوع "سلمية سلمية"، فيما "عنف المضمون" يتداخل ببعضه بدءًا من خطابات "التسقيط" لكل شيء: للنظام وللحكومة وللدستور، إلى صور الشتم والسباب والإساءة إلى الرموز، وصولا إلى المشهد الاجتماعي لاصطفاف الخيام من دون نسيان حتى "الصم" لتكون لهم خيمة خاصة بهم كمحتجين، وصولا أيضا إلى اختلاط الرؤى وسقوفها من دون تحديد مسار واحد يوحدها، وحيث تتداخل رؤى العلمائيين برؤى الليبراليين والعَلمانيين والقوميين والشيوعيين، مثلما تتداخل رموز المجتمع المدني، برموز الحوزات الدينية المذهبية، فيما الأفكار يتم طبخها من دون إنضاج على روائح المطابخ الحقيقية لأشكال الطعام كافة، وحيث تبدأ المطالب من تسقيط كل المؤسسات إلى إطلاق بيان "الائتلاف الجمهوري" بإعلان "الجمهورية الإسلامية" تحت مسمى الديمقراطية، وقيادتها البارزة من العلمائيين، في كشف سريع وصريح "للانقلاب الفئوي على الحكم"، وحسنا فعل "مشيمع" بتأكيده كل التهم السابقة له ولخليته التي كانت تمارس العنف سنوات في الشارع باعتبار أنها فوق القانون والدستور والنظام وكل ما يتفرخ منها من مؤسسات، وصولا إلى سعيها القديم والمتواتر لتدويل المسار السياسي البحريني عبر اللجوء إلى الأمم المتحدة ومطالبتها بإجراء "استفتاء" دولي لتقرير مصير مستقبل الدولة البحرينية، فيما الدوافع السياسية الطائفية تفوح من أهدافها في قلب نظام الحكم، فإذا بذرائعية تبرير العنف السابق تأخذ عنوانها الجديد بإعلان الجمهورية من دون نسيان شعار "سلمية سلمية" وتقديم الورد.

وفيما المسيرات والاعتصامات بدورها تتخذ شعار "السلمية السلمية" وترفع الورد في كل تحرك تتحركه، يتداخل مجددا المشهد السريالي، حين يتم توجيه المسيرات إلى أماكن تجمع الطائفة الأخرى سواء في البسيتين أو في الرفاع أو في مسيرة "الأكفان" يوم السبت الماضي نحو قصر الصافرية مرددين بالهتاف وبأبواق السيارات بإسقاط النظام والملك، وكل ذلك ليس فيه أي استفزاز بالنسبة إليهم طالما أن عنف المضمون يتم تقديمه مغلفا بالورد، كأننا في مسرحية هزلية أو ساخرة ترتد هزليتها أو سخريتها على من يقف بعدها أمام كاميرات التصوير للدعاية الخارجية، أو أمام ميكروفونات التصريحات لتقديم منطق رموز بعض الجمعيات وهم يفندون ما يحدث بكلام مثل "انظروا، إننا نحمل الورد ونرفع شعار "سلمية سلمية"" متجاهلين مجددا عنف المضمون، فيما أشرنا إليه فيما سبق، مضافا إليه مشهد الخيام في السلمانية وخيام أخرى أمام المرفأ المالي وخطابات التصعيد وتسييس وطأفنة المدارس والطلاب والأطفال، وممارسة الكذب والتزوير من المتصلين بقناة العالم ومثيلاتها ومتجاهلين وصم كل من يخالفهم في كلية المشهد السريالي ﺑ"البلطجية والمرتزقة وعصابات النظام"، رغم أنهم هنا يتحدثون عن غالبية الشعب البحريني التي تتوافق معهم في المطالب الإصلاحية جميعها وتختلف معهم في السقوف المتطايرة حولهم من المطالب التسقيطية للنظام، مثلما تختلف معهم في سلوكات التعبير عن تلك المطالب وهي تدفع كل مؤسسات المجتمع المدني إلى التسييس والطائفية، وتختلف معهم في الاعتداءات اللفظية وبالصور على رموز هي في مكان الاحترام والتقدير لهم كغالبية الشعب البحريني، مما يدل على استخفاف لا مثيل له بالرأي الآخر الذي تم اختزاله في وعي عبثي تسهم فيه حتى النخب المشاركة في الدوار بأن ممثلي هذا الرأي الآخر من الشعب هم مجرد "بلطجية ومرتزقة مجنسين"، وفي أداء هزلي غريب تجاه ما هو مطروح في الدوار سواء بكليته أو ببعضه، وحيث يراه أصحاب الرأي الآخر بالمقابل أن الفئة المتطرفة تعبر عن أجندة خارجية وأنهم عملاء دولة إقليمية كبرى.

وإلى هنا يكون المشهد السريالي قد اكتمل بين الرأي والرأي الآخر، فهؤلاء بلطجية وأولئك عملاء، وهنا استفزاز وهناك رد فعل، وهنا بحث عن الدم لاكتمال مشهد الكربلائية في الاحتجاج، وهناك كظم للغيظ حتى لا ينال الباحث عن الدم ما يريد، وما حدث في جامعة البحرين مؤخرا ينبئ عن قمة ما وصلت إليه السريالية من عبث، وهنا "مسجات" عنيفة وهناك ردود من ذات الصنف، وهنا شل لاقتصاد البلد وتسيير مسيرات إلى المؤسسات والجهات الرسمية والملكية بتصريح "يوضح الهدف" من أحد علماء النجف لقناة العالم وهو يقول: "كل ذلك مطلوب لكسر هيبة الدولة"، فيما الدولة تمارس أقصى وأقسى أنواع ضبط النفس حتى تنجح التهدئة ويبدأ الحوار، فيوقعها ذلك في تصديق المعنيين بكسر الهيبة، إنهم قد نجحوا فيما يريدون فيعيشون الوهم بتجريدية لا يرتقي إليها المسرح التجريدي فيما أعصاب غالبية الشعب مشدودة تتساءل: هل من نهاية لكل هذا العبث؟ فقد امتزجت الوجوه بالخطب، وامتزجت رؤى الدولة المدنية برؤى الجمهورية الطائفية، وامتزج عنف المضمون بالورد، وامتزج الخطاب الديني بالخطاب القومي بالخطاب التقدمي، ليعلو فوقها معا خطاب الطوائف والطائفية، وتمازجت أهواء المثقفين الليبراليين والعَلمانيين بأهواء الطائفيين، وهلم جرا، فهل من مشهد سريالي أكبر من هذا؟ وإلى أين الجميع ذاهب في مثل هذا الخضم؟ وهل هذه احتجاجات من أجل مطالب شعبية يتفق عليها غالبية الشعب وتفتح القيادة باب الحوار الشامل حولها، أم هي لتسييد رؤى فئوية تريد إلغاء تلك الغالبية الشعبية فيما هي تتحدث باسمها؟

فهل كل ما يحدث في مسرح العبث هنا هو تعبير عن الرأي أم أن الديمقراطية انقلبت على أصحابها والمدعين بها لتظهر أسوأ ما فيهم، ولتدل على أن هذه الأزمة قد كشفت عن كل بواطن الخلل في هذا المجتمع، وعن أزمة وعي حقيقية تتدرج من خلل الوعي السياسي والوعي الوطني والوعي الديني لتصل إلى ما هو إنساني وأخلاقي حين يتم تسييس كل شيء، وطأفنة كل شيء وزج الأطفال والمرضى والمعوقين في مشهد الهرولة نحو الهاوية؟!.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة