بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 15 مارس 2011

المدخل الطبيعي لإنهاء الانقسام




لا يستطيع المرء إلا أن يكيل الثناء للفعاليات التي تنظم حالياً في الضفة الغربية وقطاع غزة للمطالبة بإنهاء حالة الانقسام الداخلي، الذي لا خلاف على أنه يشكل تهديداً جوهرياً للقضية الوطنية الفلسطينية، ويتوجب تضافر كل الجهود من أجل وضع حد له. لكن للأسف فإن هذه التحركات سيكون مصيرها الفشل المحقق في حال لم تبلور توجه أكثر واقعية إزاء هذه القضية المؤلمة.

ولعل السؤال الذي يطرح هنا: هل جاء الانقسام الداخلي بسبب الخلافات السياسية بين حركتي فتح وحماس، أم أنه نتيجة طبيعية لاتفاقيات أوسلو وأنماط التدخل الأجنبي التي سمحت بها هذه الاتفاقيات في الشأن الفلسطيني الداخلي؟. 

لا شك أن الانقسام هو نتيجة طبيعية لهذه الاتفاقيات التي فرطت بالثوابت الوطنية وباعت الفلسطينيين الوهم، وانتهت إلى ما انتهت عليه، حيث بات من وقع عليها يعترف أنها لم تؤد إلى أي نتيجة إيجابية، وخير دليل على ذلك أن الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية والقدس تعاظم بعد توقيع هذه الاتفاقيات بأكثر من 85 في المئة مما كان عليه قبل عام 1994، وفي الوقت الذي تعلن فيه "إسرائيل" أنها لا تنوي التجاوب مع الحد الأدنى من المطالب الوطنية الفلسطينية، وفي ظل الغطاء الذي توفره الولايات المتحدة ﻠ"إسرائيل" لمواصلة سياساتها التوسعية والعنصرية.

ببساطة قد ألزمت أوسلو الطرف الفلسطيني الذي وقع عليها بأن يتولى حماية حدود "إسرائيل" وضرب مقاومة الشعب الفلسطيني، بحيث إنه في حال تخلى عن هذا الدور الوظيفي تتم محاصرته والتخلص منه. فقد حافظت "إسرائيل" على علاقاتها مع الرئيس الراحل ياسر عرفات، وحرص قادة "إسرائيل" على الالتقاء به في كل مكان، وذلك حتى أكتوبر 2000، حيث التزمت السلطة وأجهزتها الأمنية حتى ذلك الوقت بتعقب المقاومة الفلسطينية وضربها واعتقال قادتها ونشطائها، ولا مجال هنا للتعرض للملاحقة والاعتقال والتعذيب الوحشي الذي تعرض له قادة وكوادر المقاومة من حماس والجهاد الإسلامي وقوى اليسار وحتى من كوادر في حركة "فتح" بسبب نشاطهم المقاوم. لكن بمجرد أن اندلعت انتفاضة الأقصى وبعد أن رفض عرفات ضرب المقاومة.

وبعد أن تبين لـ"إسرائيل" الدور الكبير الذي تلعبه حركة "فتح" في العمل المقاومة في هذه الانتفاضة، سرعان ما تمت شيطنة عرفات من قبل "إسرائيل" والولايات المتحدة ونزعت الشرعية عنه وتمت محاصرته حتى وفاته. ولا مجال هنا للتذكير بالضغوط الهائلة التي تعرض لها عرفات من قبل أمريكا ونظام مبارك المخلوع من أجل القبول بإدخال تعديلات جوهرية على القانون الأساسي تسمح بوجود منصب رئيس وزراء، وذلك من أجل افساح المجال أمام دخول محمود عباس المشهد السياسي، تمهيداً لتتويجه على رأس السلطة، وذلك بسبب موقفه الرافض للمقاومة والعمل المسلح وتعريضه بالمقاومين.

وعندما أجريت الانتخابات التشريعية عام 2006 ظنت "إسرائيل" والولايات المتحدة بأن نتائج الانتخابات ستدعم الواقع السياسي الداخلي في الضفة الغربية وقطاع غزة، وعندما جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن، قررت واشنطن وتل أبيب والنظام الرسمي العربي، سيما نظام مبارك، بالتعاون مع الرئيس محمود عباس وأجهزته الأمنية الانقلاب على الحكومة التي شكلها اسماعيل هنية. ووصل الأمر إلى حد أن قام أليوث أبرامز نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي في عهد الرئيس السابق بوش ببلورة خطة نشرت بنودها الصحف الأمريكية والإسرائيلية وهدفت إلى اسقاط حكم حماس، وهي الخطة التي سمحت بعمل المنسق الأمريكي كيث دايتون.

لقد تم فرض الحصار على قطاع غزة من أجل تحقيق هذا الغرض، حيث ترافق الحصار باعتداءات إسرائيلية كبيرة، وذلك إن كان الأمر يتعلق بالإشكالات بين فتح وحماس، فلماذا تقوم الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية بتعقب ومطاردة نشطاء الجهاد الإسلامي وبعض نشطاء اليسار ونشطاء حركة فتح، لماذا ترفض السلطة تنظيم مظاهرة واحدة جدية ضد الاحتلال.

من هنا فإن انهاء الانقسام يتطلب فقط الانتهاء من أوسلو وتطبيقاتها، ولن نكون عندها بحاجة إلى جلسات حوار وطني ومصالحة. من هنا فإنه يتوجب على الجماهير الفلسطينية الدعوة للتالي:

أولاً: الاتفاق على برنامج وطني مشترك يتضمن الحد الأدنى من المواقف المشتركة بين جميع الفصائل الفلسطينية، وعرضه على العالم على أساس أنه يمثل الموقف الفلسطيني الرسمي.

ثانياً: بلورة موقف موحد من أنماط المقاومة ضد الاحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة، بحيث لا تخضع للمزايدات والتوظيف غير الموضوعي.

ثالثاً: تشكيل قيادة موحدة على أسس تمثيلية ديموقراطية، دون تجاهل جميع مركبات المجتمع الفلسطيني.

رابعاً: وقف التعاون الأمني بين الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة وسلطات الاحتلال، والتوقف عن تقديم المساعدات للجيش الإسرائيلي.

خامساً: وقف الاعتقالات على خلفية سياسية وتنظيمية، باستثناء المتورطين في قضايا ذات خلفية جنائية.

سادساً: بحث مسألة بقاء السلطة الفلسطينية كإطار سياسي يمثل الفلسطينيين في الضفة الغربية ودراسة إمكانية إلغاء وجود السلطة، إلى جانب إعادة بناء منظمة التحرير على أسس وطنية وتمثيلية جديدة.

سابعاً: الاستفادة من المناخ الذي أشاعته الثورة الكبرى التي تجتاح العالم العربي، وتوظيف التحولات الديموقراطية في العالم العربي من أجل إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية بصفتها قضية العرب الأولى.

إن رفع شعار انهاء الانقسام دون ربط ذلك بالتخلص من الأسباب التي قادت إليه لا يشكل مدخلاً موضوعياً للتعاطي مع هذا الخطر الداهم، سيما تحييد قدرة "إسرائيل" على التدخل في الشأن الفلسطيني الداخلي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة