بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 15 مارس 2011

بضاعة فاسدة



يعمل بنيامين نتنياهو على إعادة تدوير مواقفه السابقة تجاه التسوية السياسية مع الجانب الفلسطيني، والإيحاء بأنه بصدد مبادرة جديدة ينبغي على المفاوض الفلسطيني تلقفها والعودة إلى طاولة المفاوضات لبحث آليات تطبيقها. 

لكن ما أوردته الصحافة العبرية من عناوين لهذه الخطة يبين بشكل واضح أن الحديث يجري عن اقتراحات سبق للجانب الفلسطيني أن رفضها مرات عدة. وجوهر هذه الخطة ينطلق من اعتراف إسرائيل بدولة فلسطينية بحدود مؤقتة على نحو نصف مساحة الضفة الفلسطينية في إطار تسوية مرحلية طويلة الأمد. 

وفي موضوعة الاستيطان يقترح نتنياهو الإعلان عن تجميد البناء الاستيطاني في المستوطنات المعزولة واستمراره في التجمعات الاستيطانية الكبرى التي تنوي إسرائيل ضمها في إطار الاتفاق الدائم ويستثني أي تجميد في القدس الشرقية.

ويكرر رئيس الوزراء الإسرائيلي شروطه الأمنية عندما يؤكد على ضرورة بقاء الجيش الإسرائيلي في منطقة غور الأردن، وهو شرط يطرحه نتنياهو لإنجاز الاتفاق، مما يعني أنه يضع "فيتو" على اقتراح المفاوض الفلسطيني الذي دعا في وقت سابق إلى إحالة موضوعة الأمن في الضفة إلى طرف ثالث، بحيث لا يتواجد أي جندي إسرائيلي على أراضي الدولة الفلسطينية عند قيامها. 

والطريف في الأمر أن نتنياهو يعتبر أن بقاء قواته العسكرية في منطقة غور الأردن لا يعني سيادة إسرائيلية رسمية عليها، وأن هدف هذا التواجد ينحصر بمهمة منع تهريب الأسلحة إلى الضفة. 

ويلجأ نتنياهو من أجل تسويق بضاعته الفاسدة إلى عرض رزمة من المغريات تقدم إلى المفاوض الفلسطيني، من نمط الإفراج عن أسرى فلسطينيين وخطوات أخرى تعود الجانب الفلسطيني على سماعها تحت عنوان "مبادرات زرع الثقة" كلما هبت رياح المبادرات الإسرائيلية- الأمريكية المكررة. 

وفي سياق عرضه لهذه "المبادرة"، يشير بنيامين نتنياهو إلى أنه بمعرض وضع واشنطن أمام عناوينها الرئيسة على أمل أن تلقى قبولا من الإدارة الأمريكية، وبالتالي تدخل واشنطن على خط الضغوط على المفاوض الفلسطيني مجدداً من أجل القبول بها. مع العلم أن إدارة أوباما لمست بشكل واضح أن مثل هذه العناوين لن تلقى قبولاً من الجانب الفلسطيني وخاصة بعد تجربة المفاوضات الفاشلة التي جرت في العام الماضي. 

ويكاد يجمع المراقبون على أن نتنياهو يسعى من خلال طروحاته السابقة إلى الهروب من استحقاقات كثيرة تفرضها التطورات الإقليمية والتي بدأت تأثيراتها تنعكس على حركة الشارع الفلسطيني وشعاراتها المطالبة بإنهاء الاحتلال. كما يأتي ذلك كخطة استباقية قبيل اجتماع اللجنة الرباعية التي اتخذ أعضاؤها "باستثناء الولايات المتحدة" مواقف إيجابية في مجلس الأمن عندما صادقوا على مشروع القرار الذي يدين الاستيطان الإسرائيلي وتعطل صدور القرار بسبب الفيتو الأمريكي. وفعل نتنياهو مثل ذلك قبل اجتماع الرباعية السابق عندما تقدم برزمة اقتراحات اقتصادية بشأن الضفة والقطاع، والمؤسف أن اللجنة قد تفاعلت مع هذه الاقتراحات في حينها. 

في السياق، يعاود المبعوث الأمريكي ميتشل جهوده على خط التسوية بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي دون أن يحمل في جعبته جديداً، وقد فهم هذا النشاط المتجدد على أنه محاولة لقطع الطريق على التحركات الأوروبية الأخيرة بشأن عملية التسوية من زاوية التنبيه من أن لا وجود لفراغ يتيح للاتحاد الأوروبي الدخول على هذا الخط. 

وتسعى واشنطن لتأجيل اجتماع اللجنة الرباعية لمدة شهر تقريباً حتى يتاح لها احتواء ردات الفعل على "الفيتو" التي أشهرته في مجلس الأمن. كما أن الإدارة الأمريكية تسعى إلى إعادة طرح الاقتراحات التي سبق أن عرضتها على المفاوض الفلسطيني كي يقبل بسحب مشروع القرار بشأن الاستيطان في مجلس الأمن.

وتألفت رزمة الاقتراحات في حينها من ثلاث نقاط رئيسية:

• إصدار بيان رئاسي صادر عن الإدارة الأمريكية حول الاستيطان وبلهجة قوية"!". 

• موافقة واشنطن على قيام وفد من مجلس الأمن بزيارة للأراضي الفلسطينية. وتشير المصادر المطلعة إلى أن هذا كان اقتراحا سابقا قدمته روسيا الاتحادية ورفضته إدارة أوباما. 

• إصدار بيان من اللجنة الرباعية يستجيب للمطالب الفلسطينية ويرفض بشكل صريح الاستيطان ويقر بحدود 4 حزيران/ يونيو 1967، ولكنه "أي البيان" يؤكد في الوقت نفسه على ترتيبات توفر الأمن الإسرائيلي.

لكن هذه الاقتراحات قد رفضت في اجتماع ضم أعضاء اللجنة التنفيذية وقيادات القوى والأحزاب الفلسطينية المنضوية في منظمة التحرير "18/ 2" وتم التأكيد على ضرورة مواصلة التحرك الفلسطيني باتجاه الجمعية العامة للأمم المتحدة من أجل نيل الاعتراف بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967، بعاصمتها القدس والتوجه أيضا إلى سائر المؤسسات والهيئات ذات الصلة بحقوق الإنسان والجرائم ضد الإنسانية من أجل محاسبة إسرائيل على الجرائم التي ارتكبتها بحق الشعب الفلسطيني. ولقد لاقى هذا الموقف ترحيبا شعبيا واسعا على الصعيد الفلسطيني وانعكس إيجابا على حركة الشارع عندما انطلق الشباب الفلسطيني في تظاهرات عارمة نادت بضرورة إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة على طريق إنهاء الاحتلال وإنجاز الاستقلال الوطني. 

وهذا يؤكد على أهمية مواصلة تنفيذ قرارات الاجتماع القيادي الفلسطيني المذكور وعدم الالتفات إلى المحاولات متعددة الجهات التي تسعى إلى إعادة مشهد المفاوضات العبثية إلى صدارة المشهد الفلسطيني. وهذا يتطلب مواصلة الفتح على الخيارات الوطنية الواسعة من خلال إنهاض المقاومة الشعبية وعدم التضييق على التحركات الجماهيرية التي تطالب باستعادة الوحدة وتندد بالاحتلال والاستيطان وقد حصلت هذه التضييقات للأسف في كل من الضفة الفلسطينية وقطاع غزة. 

ولا نعتقد بأن مثل هذه التضييقات ستنجح في كبح جماح الشارع الفلسطيني ومطالبته بالحقوق الوطنية، خاصة أن جميع عناوين المناسبات الوطنية العامة والحزبية قد تحولت إلى تظاهرات جماهيرية واسعة زادت من زخم حركة الشارع. 

ومن الواضح أن الأفق مفتوح أمام هذه التحركات، ربطا بعزيمة الشباب المنخرط فيها وانضمت فئات وشرائح فلسطينية إضافية إلى هذه التحركات وقد نشأت لجان وأطر في كل من الضفة والقطاع تنشط بفاعلية من أجل تصويب الوضع الفلسطيني وتمتينه في مواجهة الاحتلال. 

ونود الإشارة إلى أن الحراك الشعبي الفلسطيني لن يكون بالضرورة مقتصرا على الضفة والقطاع بل يتعدى ذلك تجاه مواقع اللجوء والشتات في سياق دفاع اللاجئين الفلسطينيين عن حق عودتهم إلى ديارهم وممتلكاتهم التي طردوا منها ويكفله لهم القرار الدولي 194. وهذا يفترض على حركة اللاجئين في جميع مواقع تواجدها تطوير عملها والتنسيق فيما بينها من أجل أن يكتمل مشهد الشارع الفلسطيني ويتحد تحت رايات البرنامج الوطني على طريق تحقيق الأهداف الوطنية في العودة والاستقلال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة