بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 7 فبراير 2011

يريدوننا غنماً .. هم رعاتها .. وهيهات


يريدوننا غنماً .. هم رعاتها .. وهيهات




« سنوفر لكم الطعام والشراب والدواء . ستنعمون بعائدات نفطكم . ستكونون أحراراً في بلادكم . ستكون هنالك ديمقراطية ...... » .
هذا الذي يبشر به أئمة الاحتلال شعب العراق ، ومن ورائه كل شعب عربي وغير عربي يريدون تسخيره لما يسمونه بمصلحتهم الوطنية . ما العيب قد يقال في أن ينعم الناس بالطعام والشراب والكساء والدواء ؟ لا عيب إلا إذا كان هذا على حساب كرامتهم . وقديماً قال الشاعر في بيت عده بعضهم أهجى بيت في الشعر العربي : دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد ؛ فإنك أنت الطاعم الكاسي
فأئمة البغي والاحتلال يريدون لشعب العراق ولكل شعب عربي أن يكون قطيعاً من الغنم يأكل ويشرب ويداوى ؛ لكنه لا يحمل عصا ولا يصد عدواً . إنما الذي يحمل العصا هو سيده ؛ فبها يهش عليه ويسخِّره ، وبها يحد له الحمى الذي لا يتجاوزه . في حدود هذا الحمى تتمتع الغنم بحرية الأكل والشرب والثغاء والنزو والتوالد . نعم ! سيترك لها راعيها شيئاً من حليبها لترضع به أولادها وليصرف منه على طعامها وشرابها ، وليأخذ سيدها النصيب الأكبر منه ليصرفه على طعامه هو وشرابه وسائر ملذاته ، بل وسلاحه الذي به يسوقها ويستعبدها . ربما صدق المحتلون في توفير ما وعدوا بتوفيره ، وربما زادوا عليه فاستجلبوا للعراق كل ما في بلادهم من أنواع الملذات : أسواق كبرى يعرض فيها كل ما أنتجته مصانعهم ، وشركات لكل أنواع السيارات وسائر المراكب ، دور
سينما ، حانات ومراقص ونواد ليلية ، قنوات لكل أنواع اللهو من أفلام قذرة وأغان خليعة ودعايات رخيصة وتسويق للفكر الغربي والحضارة الغربية . لكن الذي لن يفعلوه ، والذي عدوه خطيئة صدام الكبرى هو أن تكون بلادهم قادرة على أن تتطور صناعياً ولا سيما في مجال الأسلحة . إنهم لا يريدون أن تخلو العراق ويخلو كل بلد عربي وغير غربي مما أسموه بأسلحة الدمار الشامل ، بل إنهم لحريصون أن يخلو حتى من المقدرة على إنتاج السلاح مدمراً تدميراً شاملاً او غير شامل . ولكي يخلو من هذه المقدرة فلا بد أن يخلو من العلماء الذين يملكون هذه المقدرة . سيخلو العراق كما سترون من هؤلاء العلماء ، ربما بقتل بعضهم أو سجنه ، ولكن يقيناً بإغراء آخرين بالمال الوفير لكي يهاجروا إلى أرض ( محرريهم ) ويشاركوا في صناعة الأسلحة لهم ، كما فعلوا مع كثير من علماء الاتحاد السوفييتي . لماذا اختاروا أرض العراق ليجعلوا من شعبها أول قطيع من أغنامهم ( أهم أول قطيع ؟ ) ؟ اختاروها أولاً ؛ لأنها أرض لبون لا بقاء لهم بغير حليبها . وهذا أمر قد أصبح من البدهيات ؛ فلا نقضي فيه وقتاً . وأما ثانياً فلأن في حكمها ضعفاً
يجعل ذريعة استعباده باسم التحرر ذريعة مقبولة لشعبهم ولمن هو على شاكلتهم من غير شعبهم . لا زلت أذكر منظراً شاهدته على التلفاز آلمني رغم أن الضحية فيه كانت حيواناً . رأيت وحشاً يشتد جرياً وراء قطيع من الغزلان ، وهي تعدو منه هرباً ؛ لكنه رأى في إحداها عرجاً أبطأ من جريها فركز عليها وترك بقية القطيع حتى أدركها فقتلها ومزقها . وقد كان في النظام العراقي عرج بيِّن كان هو السبب الأساس في سرعة انهياره . كان نظاماً مبنياً على جرف هار ، هو شخص صدام ؛ فلما انهار الجرف انهار البناء كله . إن الأمة التي ترضى لنفسها أن تكون قطيعاً من الأنعام يسوقه واحد منها ، لا تستعصي على أن يكون سائقها واحداً من غيرها .
ومعاذ الله أن يكون شعب العراق كله كذلك . لكن داء هذه التبعية أصاب الجميع ، من كان راضياً به ومن لم يكن راضياً . فأول درسينبغي لنا أن نعيه هو أن لا نكون قطيعاً ولا شبه قطيع لواحد منا . إنه لا بد لكل مجتمع ، مسلماً كان أو كافراً ، ديمقراطياً كان أو غير ديمقراطي ، لا بد له من ولاة أمر يكونون مسؤولين عن إدارة شؤونه . لكن أن يكون الواحد منا مسؤولاً عن إدارة شؤوننا شيء ، وأن يجعل منا قطعاناً يقضى أمرها وهي غائبة شيء آخر . هذا درس جعله ربنا أصلاً من أصول ديننا . فنحن لا نحكم برأي فلان وعلان وإن كثر عددهم ، وإنما نحكم بكتاب ربنا الذي يخضع له حاكمنا كما نخضع له نحن المحكومين . وحاكمنا الذي يحكمنا
بكتاب ربنا لا يستبد بالأمر من دوننا ؛ لأن صفة التشاور في أمورنا من الخصائص المميزة لنا لا يكتمل بغيرها إسلامنا ، مثلها في ذلك مثل الإيمان بالله والتوكل عليه وغيرها من الصفات التي تبينها الآية الكريمة : ] فَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ * وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ البَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ [ ( الشورى : 36-39 ) .
تذكرت وأنا أشاهد على التلفاز كثرة صور الرئيس صدام وتماثيله ، وأنا أسمع الناس يهتفون في كل مكان : بالروح بالدم نفديك يا صدام ، تذكرت قول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم : ] إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ [ ( الزمر : 30 ) . ومع أنه لا دين إلا باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه : ] مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [ ( النساء : 80 ) ، ومع أن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم كانت ضرورية لتربية جيل كالذي رباه ، ومع أن حياة المسلمين بعده لم تكن مثلها في حياته ، إلا أن الله سبحانه أراد أن يعلِّم المؤمنين أن كل هذا لا يعني ارتباط الدين بحياته صلى الله عليه وسلم . ولم يكتف سبحانه بتقرير حقيقة موت الرسول هذه ، بل أكدها بدرس عملي ؛ وذلك أنه شاع يوم أحد أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل ، بل إن أحد المشركين واسمه ابن قميئة بشَّر إخوانه الكفار بأنه هو الذي قتله ، وإنما كان في الحقيقة قد ضربه فشجه . فلما شاع هذا الخبر الأليم ضعف بعض المسلمين ، فأنزل الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم : ] وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ
فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ [ ( آل عمران : 144 ) . وكل فَقْدٍ بعد فَقْدِ الرسول صلى الله عليه وسلم يهون ، ويمضي المسلمون في طريقهم يتقون ربهم حق تقاته ما استطاعوا . بهذا ينبغي أن يُذكَّر الناس ، وعليه ينبغي أن يربوا ، فلا يربطوا تمسكهم بدينهم وجهادهم في سبيل إعلاء كلمة ربهم بموت أحد ولا حياته ، بل عليهم أن يسدوا كل الذرائع المؤدية إلى تعلق الدين بحياة
الأشخاص مهما عظموا علماً وورعاً ، أو حكماً عدلاً ، أو شجاعة وبسالة . وإنه لمن مقتضيات تمسكنا بديننا ، وكوننا أمة ذات رسالة ، أن نكون أمة قوية مرهوبة الجانب ، لا نأكل ونتمتع كما تأكل الأنعام ، ولا نكون غنماً تهش عليها وتوجهها أنى شاءت عصا الكافرين . لكن القوة المادية لها ثمن ينبغي أن نكون مستعدين لدفعه . يجب أن نربى على التضحية بكثير من الملذات ، بل يجب أن
نتربى على الاقتناع بالكفاف ، ثم نرصد ما تبقى من دخلنا القومي للأخذ بأسباب القوة المادية ، من تأهيل علمي ولا سيما للنابغين من أبنائنا ، ومن طَرْق لأبواب الصناعة الثقيلة ، ولا سيما صناعة الأسلحة . كيف تدافع عن نفسك ، أم كيف لا تكون فتنة لعدوك ، وأنت تعتمد عليه في أسلحتك التي بها تدافع عن نفسك ؟ هذه هي الخطوة الأولى للسير في طريق القوة : عزمة نجتمع عليها حكاماًومحكومين . أما تفاصيلها وكيفية تحقيقها ، فيترك للمختصين منا ، ولن تعجزنا بإذن الله تعالى .
ومن سار على الدرب وصل . لكن ينبغي أن لا يغيب عن بالنا أننا نريد أن نفعل كل هذا باعتبارنا مسلمين .
وعليه فكما نسعى لامتلاك القوة المادية ، فعلينا أن نجتهد في امتلاك القوة المعنوية : قوة العلم بالدين الحق ، والاستمساك به ، والدعوة إليه ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . فهذا هو سر قوتنا ، وسبب دوام بقائنا ، فإننا بفضل الله أمة لا تموت :
كتابها محفوظ ذكراً ، لا حفظاً متحفياً ، ذكراً بحفظ لغته ، وحفظ سنة نبيه ، وحفظ العلماء العارفين به ، المجددين له ، الداعين إليه ، المجاهدين في سبيله . أما الأمم الكافرة فإنها تنتفش وتنتفش ثم لا تلبث أن تُخرق وتسقط مهما كان لها من قوة مادية ، تخرقها وتسقطها ما ترتكب من فواحش وظلم واعتداء ، وما يملأ صدورها من غرور وحمية الجاهلية : ] أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ العِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي البِلادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي البِلادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ [ ( الفجر : 6-14 ) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة