بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 7 فبراير 2011


ماذا يعدون لمواجهة المد الإسلامي ؟




الدول الغربية ولا سيما الولايات المتحدة حريصة كل الحرص على أن يدوم لها تفوقها المادي ( الاقتصادي والعسكري ) وتفوقها الثقافي . وهي لا تكتفي لتحقيق هذا باتخاذ برامج داخلية تضمن لها استمرار التفوق ، لكنها تلجأ أيضاً إلى سياسات خارجية تحاول بها عرقلة تقدم أي بلد ترى فيه خطراً على تفوقها في هذين المجالين أو أحدهما . وإذا كانت ترى في الصين و اليابان أمارات لمثل هذا التقدم الذي قد يمثل خطراً على تفوقها الاقتصادي ؛ فإنها لا ترى شيئاً كهذا في البلاد الإسلامية ولا سيما العربية منها . إنهم يقولون إن الدخل القوي للبلاد العربية مجتمعة لا يساوي دخل أسبانيا . وقال أحدهم : إذا استثنينا البترول فإن صادرات هذه البلاد لنتساوي صادرات بلد أوروبي صغير كفنلندا . ولكن إذا كانوا يأمنون الآن جانب هذه البلاد من ناحية القوة المادية ، فإنهم لا يضمنون دوامه بغير تدخل منهم ، ولذلك تجدهم يخططون لاستمرار هذا التخلف بوسائل كثيرة ليست هي موضوع حديثنا في هذا المقال .
موضوعنا اليوم هو مخططاتهم لمواجهة الخطر الديني الإسلامي ؛ وذلك أنه بالرغم من تخلف البلاد الإسلامية اقتصادياً وعسكرياً ، فإن الدين الإسلامي هو الذي يمثل التحدي الأكبر للثقافة الغربية ولا سيما بعد سقوط الشيوعية . إن الدين الإسلامي هو باعترافهم الآن أكثر الأديان انتشاراً حتى في البلاد الغربية . بل أقول إنه أكثر انتشاراً لا بالنسبة للأديان فحسب بل بالنسبة لكل الأيديولوجيات وفلسفات الحياة الأخرى ، وليس في البلاد الغربية فحسب بل في سائر بلدان العالم . هذا بالنسبة لهم خطر كبير لا بد من إعداد الخطط للمكر به . إن تفاصيل مكرهم هذا أمر يطول وصفه ؛ لكننا سنركز حديثنا اليوم على تقرير لمركز البحوث الأمريكي
المسمى راند Rand والذي تنشر البيان ملخصاً له في هذا العدد [1] . لم أكتف بقراءة هذا الملخص بل اطلعت على التقرير كله في أصله الإنجليزي ، فخطرت ببالي خواطر كثيرة عنه ، منها :
أولاً : أن الخطط التي يوصي بها هي خطط ظل الغرب يتبعها منذ زمن ؛ فالدراسة لم تأت في رأيي بشيء جديد لكنها صرحت بما كان متبعاً وعبرت عنه تعبيراً مفصلاً . إن الإسلام الذي يراه الغرب خطراً عليه هو الإسلام الحق الذي يستمسك به بعض المسلمين بصدق وجد ويحاولون الدعوة إليه ، وهو الإسلام الذي يحبه ويؤمن به إذا عرفه كثير من الناس في الغرب ، إنه إسلام القرآن والسنة . ولذلك تجد أن أكثر من دخل في الإسلام في الولايات المتحدة على الأقل إنما دخلوا فيه بعد قراءتهم لترجمة من ترجمات هذا الكتاب العزيز .
ثانياً : ولأن التقرير كان صريحاً ؛ فإنه لا يحاول مخادعة المسلمين ، كما يفعل السياسيون من أمثال بوش أو بلير حين يقولون إن مشكلتنا ليست مع الإسلام ؛ فهو دين سلام ومحبة وتسامح ، وإنما هي مع أقلية من المنتسبين إليه من الإرهابيين أو المتطرفيين .
ثالثاً : واضح من الدراسة أن المسلمين مدعوون لا إلى فصل الدين عن الدولة كما هو الحال في الغرب ، ولكنهم مدعوون إلى فصل الإسلام وإبعاده عن الحياة كلها . والتقرير يعترف بأن هذا أمر صعب ، لكنه أمر لا مفر منه فيما يبدو . « إنه ليس بالأمر السهل » يقول التقرير : « أن تبدل ديناً عالمياً كبيراً كالإسلام . إنه إذا كان ( بناء الأمة ) عملاً مرعباً ، فإن ( بناء الدين ) أشد خطورة وتعقيداً » ومما يدلك على جدهم في محاولة التبديل هذه أن بهذا التقرير فصلاً كاملاً عن الحديث النبوي يقول فيه عن الحديث : « إنه في أحسن أحواله أمر مريب متناقض لا يمكن الاعتماد عليه في فض النزاع في أي قضية ؛ لأن كلاًّ من المتنازعين يمكن أن يجد فيه ما يؤيد وجهة نظره . ولذلك فإن التقرير ينصح بإصدار كتيبات تتضمن أحاديث تؤيد وجهات نظر الحداثيين والعلمانيين ، حتى لا يبقىعامة المسلمين ضحية للأحاديث والتفسيرات التي ينشرها بينهم العلماء التقليديون والأصوليون » . يعتمد التقرير في هذا على كتابات أقوام معروفين بالزندقة وإنكار السنة .
رابعاً : استغربت حين قرأت هذا التقرير عن أي عالم إسلامي يتحدث ؟ أين في العالم الإسلامي أولئك الحداثيون أو العلمانيون الذين لا تتاح لهم فرص النشر ، أو الذين ليست لهم منابر عامة يخاطبون منها الجماهير ، أو الذين لا تؤثر آراؤهم في المقررات المدرسية ؟ أليست هذه الأمور كلها في أيدي العلمانيين في بلدان العالم الإسلامي كله إلا ما ندر ؟ أليست أنظمة الحكم في كل بلدان العالم الإسلامي إلا ما ندر أنظمة لا تخفي علمانيتها ؟ عبرت عن استغرابي هذا لأحد إخواننا السعوديين فابتسم وقال : إن هذا التقرير إنما يتحدث عن السعودية . فكرت في محتويات التقرير مرة أخرى فأيقنت أن سهامه موجهة فعلاً نحو السعودية . خامساً : قلت في نفسي : أخشى أن يظن بعض من يقرؤون هذا التقرير ممن لا يزالون يحسنون الظن بأمثال هذه المؤسسات الغربية أن الديمقراطية التي يدعو العالم الإسلامي إليها هي الديمقراطية بمعنى الرضى بحكم الشعب . أقول لهؤلاء : هَبُوا أن دولة كالسعودية قالت للغربيين : تريدون ديمقراطية ؟ حسناً ! فلنفعل كما فعلتم أنتم معاشر الأمريكان . لندع ممثلين للشعب من كافة مناطقهم الجغرافية ، ولنقل لهم : صوغوا لبلدكم دستوراً كما فعل الأمريكان ؛ ولنفترض أن هؤلاء الممثلين اجتمعوا فكان أول ما ذكَّروا به أنفسهم واجتمعت عليهكلمتهم أنهم ليسوا سعوديين فقط لكنهم مسلمون أيضاً ، وأن إسلامهم هذا هو جوهر هويتهم ، ومعتمد جماعتهم ، ومصدر عزهم وكرامتهم ، وسبب تقدير الأمة الإسلامية لهم ، وأنهم يؤمنون لذلك بأن دستورهم الأعلى الذي يحكم حياتهم ويهيمن على كل ما يصدرون من وثائق هو نصوص الكتاب وصحيح السنة ، وأنه ينبغي لذلك أن لا يكون قرروا في نظام حكمنا ولا في قوانيننا ، ولا في مناهجنا الدراسية ، ولا في سياستنا الخارجية ، ولا في أي جانب من جوانب حياتنا ما هو مخالف لما في هذين المصدرين . هب أنهم جلسوا بعد ذلك وتداولوا لعدة أسابيع خلصوا في نهايتها إلى صياغة دستور ، ثم عرضوه على شعبهم في استفتاء عام ، شهد عليهمراقبون محايدون من هيئة الأمم ، فكانت النيجة أن أجازته الأغلبية الساحقة من المواطنين . هل يرتاب أحد بعد هذا في أن هذا الدستور جاء بطريقة ديمقراطية ، وأن على من كان يؤمن بالديمقراطية أن يرضى به للشعب السعودي مهما خالفهم الرأي ؟ كلاَّ . ولكن هل تظنون أن سيرضى الغرب أو ترضى أمريكا بذلك ؟ كلاَّ ثم كلاَّ . لا تنسوا أنهم لا يتكلمون عن الديمقراطية بهذه الصفة العامة التي ذكرناها ، إنهم لا يتحدثون عن ديمقراطية تكون فيها الكلمة للأمة مهما كانت تلك الكلمة . إنهم يريدون نظاماً أشبه ما يكون بنظامهم ، وقيماً أشبه ما تكون بقيمهم ولا سيما في الموقف من الدين ومن العلاقة بين الجنسين . هذه في رأيهم هي الديمقراطية الليبرالية التي لا ديمقراطية حقيقية غيرها . ألا تذكرون ما قال ( بريمر ) للعراقيين من أن هنالك خطوطاً حمراء يجب أن لا يتخطاها مجلس الحكم في وضعه لمسودة الدستور ، وأن من هذه الخطوط فصل الدين عن الدولة . وأن الديمقراطية التي يريدونها للعراق
هي ديمقراطية على المنوال الأمريكي ؟ أو الغربي ؟ إن شعارهم هو : كونوا أحراراً ، لكنكم لن تكونوا في حكمنا أحراراً إلا إذا اخترتم لأنفسكم ما اخترنا نحن لأنفسنا ، إلا إذا كانت طريقة حياتكم كطريقتنا ، إلا إذا لم يكن في ما اخترتموه ما نرى فيه مهدداً لقيمنا وثقافتنا ومصالحنا . فيما عدا ذلك فأنتم أحرار جد أحرار .
سادساً : مما يدلك على هذا أنهم ليسوا راضين حتى عن من كان من العلمانيين منا غير معجب بهم . يقول التقرير إنه بما أن العلمانيين يؤمنون مثلنا بفصل الكنيسة عن الدولة « فقد كان المفروض أن يكونوا الحلفاء الطبيعيين لنا في العالم الإسلامي . لكن المشكلة كانت وما تزال أن كثيراً من العلمانيين المهمين في العالم الإسلامي لا يوادوننا ، بل قد يكونون شديدي العداوة لنا لأسباب أخرى » .
سابعاً : ما الثقافة التي يدعوننا إليها ؟ إنها ليست العلوم التي كانت من أسباب تقدمهم المادي ، وإنما هي الكفر والعري والزنا والشذوذوالمخدرات والفردية التي هي من علامات تدهور حضارته لا من أسباب قوتها . لذلك تجد بعضهم يقول إنه لا خوف على حضارتنا من حضارة أخرى معاصرة ، وإنما الخوف عليها من الانتحار الذي بدأت تمارسه ويشيرون إلى مثل أنواع السلوك تلك .
ماذا نفعل ؟ هل نستجيب ونخنع ؟ فوالله لن يزيدهم هذا إلا احتقاراً لنا ، وتمادياً في إذلالانا ، ودأباً على الوقوف في طريق تقدمنا الاقتصادي والتقني والعسكري .
فلنقل لهم : لقد رضينا بأن نعيش معكم في سلام ، وأن من يعتدي على الأبرياء منكم ومنا لا يمثلنا ولا يعبر عن رأينا . لكنا لن نرضى بأن يكون هذا التعايش تعايشاً بين سادة وعبيد ، أو محتلين ومواطنين ، أو منتجين ومستغلين
] وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [ ( الحج : 40 ) . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة