محنة الشعوب العربية وغطرسة الحكام

بعد سنوات من القهر الاجتماعي والسياسي والفكري والاقتصادي عانت منها الشعوب على يد الحكام الفاسدين الذين عاثوا في الأرض فسادا ورموا دولهم بالعقم الاقتصادي والتنموي حيث لم تفرز سياساتهم الفاشلة إلا العطالة والبطالة والفقر المدقع والدعارة والأمراض. واغرقوا شعوبهم في القهر حتى القرار.بعد كل هذا ترسخت لديهم فكرة أن شعوبهم ضعيفة الفت الرضوخ للوضع وامتثلت لحياة الخنوع والانبطاح وتصوروا أنهم أصبحوا مقدسين ومبجلين.

لكن فجأة تغير كل شئ وانقلب كل شئ, ووقف الجميع مذهولا أمام هذا الزحف المقدس للثورات الشعبية التي هزت الجبابرة وعمالقة السلطة الذين تجذروا في الحكم وتألهوا وحكموا شعوبهم بقبضة من حديد وأشركوا في حكمهم زوجاتهم وأبنائهم وبناتهم وأصهارهم, وامتصوا دماء الشعب واغتنوا حتى الثمالة, ظانين أن هؤلاء تحولوا إلى قطيع من الأغنام يساق كما تساق الأنعام.ثورات مجيدة حركتها الملايين من الجماهير الشعبية وأربكت الأنظمة وأجهزتهم المخابراتية وأقسمت أن تشق طرقها نحو كل ضال وعاق لشعبه وكل سفاك لإرادته وكل قاتل وسارق لحلمه.انطلقت كالإعصار تسقط الشجر وتفل الحجر .وجد الطغاة فجأة أنفسهم أمام الأمر الواقع ,أمام مواقف شعبية شرسة لا تقبل الانصياع ولا الرضوخ ولا ترضى .بالمساومات الرخيصة.وجدوا أنفسهم أمام الموقف الرافض الذي نبذ الخوف ورفض الظلم. ثورات قتلت نظرية الخلود في الحكم وأجهضت مسالة التوريث.

وفرضت أسلوبا حديثا وديمقراطيا للحياة وواقعا نابعا من تصور الشعب.فأصبح أصحاب البزات الرفيعة الأنيقة والنياشين البراقة الخادعة وأصحاب الشعر الأسود اللامع القاتم المسربل بالصباغة في أمرهم حائرون. حلت بهم الفتنة الكبرى, ودب في أجسامهم  الانهيار .تقزموا أمام الثوار ونظروا إلى كراسيهم الوثيرة بإشفاق . وشق عليهم الفراق.وراحت الوعود السخية تنثال بسخاء, وبدأت تتدفق بدون حياء,وعود بالإصلاح والتزام بالديمقراطية واحداث كل أشكال التنمية, وتعديلات جذرية على دساتيرهم العقيمة على أن يترك الشعب الثائر هذا المسار.وفطن الشباب الثائر للمكر والغدر, وعرف أن هذه الأحلام لن تتحقق لان المرض استشرى في جسم الشعب ,والبيروقراطية تجذرت في المؤسسات. وشملت كل الأجهزة .ونخرت الخلايا السرطانية جسم الدولة, ولم ينل الشعب المسكين من حصته ونصيبه إلا الإذلال والتنكيل والتفقير. وكان ثروات هذه الأوطان حكرا فقط على الحكام وعائلاتهم وان الشعب حرام عليه ارث هذا الوطن.التجؤوا بعد يأس إلى الوعود الكاذبة والأباطيل الخاذعة. ومع الارتباك الذي حل بهم التجؤوا إلى الأساليب القمعية  التي تعودوا عليها,فقاوموا الثورة بالعنف ونزلت إلى الشوارع الدبابات والمدرعات, وحامت في السماء الطائرات, وارسلو إلى الشعب البلطجيات ليقتلوه ويبطشوا به ويخنقوا ثورتهم المجيدة,وكما في تونس ومصر أصبح الجبابرة يسقطون ,وكالخفافيش يختبؤون                 
وكان إيقاع الأحداث في ليبيا اشد وقعا واكثر دموية,بعد آن أحس النظام الخائن بلهيب الثورة سيصهره ويذيبه ويذيقه أصنافا من العذاب ويلقنه ألوانا من الدروس في الوطنية ,و الثباث على المبادئ ,والتضحية بالغالي والنفيس من اجل التحرر من الاستعمار والاستهتار الممارس عليهم. بعدماأحس النظام الفاشل بهذا اطل نجل الزعيم الليبي بخطاب كله حماقات وسفاهات. خطاب يعد بالحرب على الشعب الليبي المجيد. وبدون حياء يقول للشعب الثائر سيكون الاحتكام إلى السلاح.صدر هذا من رجل ليست له مسؤولية حكومية وليست له سلطة على الشعب الليبي الأبي .                                                                     
ووعد بما قال وسالت شلالات الدماء الزكية في الشوارع وقتلت المئات بل الآلاف. شملت الأطفال والنساء, وأصبحت أجناس أخرى ليست ليبية تقتل وتفتك, أتى بها النظام الفاسد لقمع التظاهرات السلمية التي عبر من خلالها الشعب الليبي البطل عن رفضه لهؤلاء الأقزام الذين جثموا بقوة على صدره لسنوات.بعدها يطل الثائر الذي بدا مسعورا ينفث السم من فيه ويهدد بالقتل وتصفية الليبيين فردا فردا وبيتا بيتا ويصف الأبطال الشجعان بالجرذان الذين فضحوا سياسته المقيتة التي تغنى بها منذ أزمان بالكذب والبهتان والتي تقول ان السلطة للشعب والمؤتمرات الشعبية وغيرها من سموم القذافي الذي هدر أموال الشعب الليبي في إذكاء فتيل ثورات المنحرفين والعصابات .لقد ظهر القذافي المسعور حتى الثمالة في صورة مقيتة عفنة لا تليق برئيس دولة ولا ممثل للشعب                                     
لقد عرت ثورات الشعوب العربية عن واقع الحكام البئيس وبدوا للعالم بصورتهم الحقيقة. صورة لا تقبل التعتيم والتضليل.صورة موسومة بالكذب على ذقون الشعوب واختلاس ممتلكاتهم وسرقة ثروات اوطانهم ونفيهم وتعذيبهم وإذلالهم. صورة عبرت أخيرا بصدق عن سخافة مواقفهم وضعف تفكيرهم وحماقات مواقفهم.